لإفادة السياق الكثرة، فيفيد الأمران قلة ما، لئلا يتوهم من جمع الكثرة جميع الناس مطلقاً ﴿لعلهم﴾ إذا رأوه ﴿يشهدون*﴾ أي أنه فعل بالآلهة هذا الفعل، أو أنه ذكرها بسوء، فيكون ذلك مسوغاً لأخذه بذلك، أو يشهد بفعله بعضهم، لأن الشيء إذا حضر كانت أحواله بالذكر أولى منها إذا كان غائباً، وكان هذا عين ما قصده الخليل عليه السلام أن يبين - في هذا المحفل الذي لا يوجد مثله - ما هم عليه من واضح الجهل المتضمن قلة العقل.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٩١
ولما كان إحضاره معلوماً أنهم لا يتأخرون عنه، استأنف أخباره لما يقع التشوف له فقال :﴿قالوا﴾ نمكرين عليه مقررين، له بعد حضوره على تلك الهيئة :﴿ءأنت فعلت هذا﴾ الفعل الفاحش ﴿بىلهتنا يا إبرهيم * قال﴾ متهكماً لهم وملزماً بالحجة :﴿بل فعله كبيرهم﴾ غيره من أن يعبد معه من هو دونه، وهذا على طريق إلزام الحجة ؛ وتقييده بقوله :﴿هذا﴾ إشارة إلى الذي تركه بغير كسر يدل على أنه كان فيهم كبير غيره.
وكذا التنكير فيما مضى من قوله ﴿إلا كبيراً لهم﴾ وهذا - مع كونه تهكماً بهم ونكاية عن أنهم لا عقل لهم لعبادتهم من يعلمون أنه لا يقدر على فعل ما - تنبيه على قباحة الشرك، وأنه لا يرضى به إله بل يهلك منعبد غيره وكل ما عبد من دونه إن كان قادراً، غيره على مقامه العظيم، ومنضبه الجسبم.
ولما أخبر بذلك، ولم يكن أحد رآه حتى يشهد على فعله، وكانوا قد أحلوهم بعبادتهم ووضع الطعم لهم محل من بعقل، سبب عنه أمرهم بسؤالهم فقال :﴿فاسألوهم﴾ أي عن الفاعل ليخبروكم به ﴿إن كانوا ينطقون*﴾ على زعمكم أنهم آلالهة يضرون وينفعون، فإن قدروا على النطق أمكنت منهم القدرة وإلا فلا، أما سؤال الصحيح فواضح، وأما غيره فكما يسأل الناس من جرح أو قطعت يده أو رجله أو
٩٣
ضرب وسطه وبقيت فيه بقية من رمق، وإسناده الفعل ما لا يصح إسناده إليه وأمره بسؤاله بعد الإضراب عن فعله متضمن لأنه هو الفاعل.