جزء : ٥ رقم الصفحة : ٩٣
ولما كان روح الكالم إقراره بالفعل وجعلهم موضع الهزئ لأنهم عبدوا ما لا قدرة له على دفاع أصلاً تسبب عنه قوله تعالى الدال على خزيهم :﴿فارجعوا﴾ أي الكفرة ﴿إلى أنفسهم﴾ بمعنى أنهم فكروا فيما قال فاضطرهم الدليل إلى أن تحققوا أنهم على محض الباطل وأن هذه الشرطية الممكنة عقلاً غير ممكنة عادة ﴿فقالوا﴾ يخاطب بعضهم بعضاً مؤكدين لأن حالهم يقتضي إنكارهم لظلمهم :﴿إنكم أنتم﴾ خاصة ﴿الظالمون*﴾ لكونكم وضعتم العبادة في غير موضعها، لا إبراهيم فإنه أصاب في إهانتهم سواء المجزّ ووافق عين الغرض، وفي أنكم بعد أن عبدتموها ولا قدرة لها تركتموها بلا حافظ.
ولما كان رجوعهم إلى الضلال بعد هذا الإقرار الصحيح الصريح في غاية البعد، عبر بأداته مشيراً إلى ذلك فقال :﴿ثم نكسوا﴾ أي انقلبوا في الحال غير مستحيين مما يلزمهم من الإقرار بالسفه حتى كأنهم قبلهم قالب لم يمكنهم دفعه ﴿على رؤوسهم﴾ فصار أعلاهم أسفلهم برجوعهم عن الحق إلى الباطل، من قولهم : نكس المريض - إذا رجع إلى حاله الأول، قائلين في مجادلته عن شركائهم :﴿لقد علمت﴾ يا إبراهيم! ﴿ما هؤلاء﴾ لا صحيحهم ولا جريحهم ﴿ينطقون*﴾ فكانوا بما فاهوا به ظانين أنه ينفعهم، ممكنين لإبراهيم عليه السلام من جلائل المقاتل.
ولما تسبب عن قولهم هذا إقرارهم بأنهم لا فائدة فيهم، فاتجهت لإبراهيم عليه السلام الحجة عليهم، استانف سبحانه الإخبار عنها بقوله :﴿قال﴾ منكراً عليهم موبخاً لهم مسبباً عن إقرارهم هذا :﴿أفتعبدون﴾ ونبههم على أن جميع الرتب تتضاءل دون رتبة الإلهية بقوله :﴿من دون الله﴾ أي من أدنى رتبة من تحت رتبة الملك الذي لا ضر ولا نفع إلا بيده لاستجماعه صفات الكمال.
ولما كانوا في محل ضرورة بسبب تكسير أصنامهم، راجين من ينفعهم في ذلك، قدم النفع فقال :﴿ما لا ينفعكم شيئاً﴾ لترجوه ﴿ولا يضركم *﴾ شيئاً لتخافوه.