ولما كان التقدير : ثم أهلكناهم، علله بقوله :﴿إنهم كانوا قوم سوء﴾ لا عمل لهم إلا ما يسوء ﴿فأغرقناهم﴾ أي بعظمتنا التي أتت عليهم كلهم ﴿أجمعين*﴾ حتى من قطع الكفر بين نوح عليه السلام وبينه من أهله فصار لا يعد من أهله، لاختلاف الانتساب بالدين.
ولما كان ربما قيل : لم قدم إبراهيم ومن معه على نوح وهو أبوهم ومن أولي العزم، وموسى وهارون على إبراهيم وهو كذلك، أشار بقصة داود وسليمان - على
٩٩
جميعهم الصلاة والسلام - إلى أنه ربما يفضل البن الأب في أمر، فربما قدم لأجله وإن كان لا يلزم منه تقديمه مطلقاً، مع ما فيها من أمر الحرث الذي هو أنسب شيء لما بعد غيض الماء في قصة نوح عليه السلام، هذا في أوله وأما في آخره فما يتنبه مثال للدنيا في بهجتها وغرورها، وانقراضها ومرورها، ومن تصريف داود عليه السلام في الجبال وهي أشد التراب الذي هو اقوى من الماء، وفي الحديد وهو أقوى من تراب الجبال، وسليمان عليه السلام في الريح وهي أقوى من التراب فقال :﴿وداود﴾ أي أول من ملك ابنه من أنبياء بني إسرائيل ﴿وسليمان﴾ ابنه، أي اذكرهما واذكر شأنهما ﴿إذ﴾ أي حين ﴿يحكمان في الحرث﴾ الذي أنبت الزرع، وهو من إطلاق اسم السبب على المسبب كالسماء على المطر والنبت، قيل : كان ذلك كرماً، وقيل : زعاً ﴿إذ نفشت﴾ أي انتشرت ليلاً بغير راع ﴿فيه غنم القوم﴾ الذي لهم قوة على حفظها فرعته ؛ قال قتادة : النفش بالليل، والهمل بالنهار.