﴿وكنا﴾ أي بعظمتنا التي لا تقر على خلاف الأولى في شرع من الشروع ﴿لحكمهم﴾ أي الحكمين والمتحاكمين إليهما ﴿شاهدين﴾ لم يغب عنا ذلك ولا شيء من أمرهم هذا ولا غيره، فذلك غيرنا على داود عليه السلام تلك الحكومة مع كونه ولينا وهو مأجور في اجتهاده لأن الأولى خلافها، فإنه حكم بأن يمتلك صاحب الحرث الغنم لصاحب الكرم ليرتفق بلبنها ونسلها وصوفها ومنافعها، ويعمل صاحبها في الكرم حتى يعود كما كان فيأخذ حرثه، وترد الغنم إلى صاحبها، وهذا أرفق بهما.
÷ذا أدل دليل على ما تقدمت الإشارة إليه عند ﴿قل ربي يعلم القول﴾، و﴿كنا به عالمين إذ قال لأبيه﴾ وفيه رد عليهم في غيظهم من النبي ﷺ في تسفيه الآباء والرد عليهم كما في قصة إبراهيم عليه السلام لأنه ليس بمستنكر أن يفصل الابن أباه ولو في شيء، والآية تدل على أن الحكم ينقض بالاجتهاد إذا ظهر ما هو أقوى منه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٩٧
ولما كان ذلك ربما أوهم شيءاً في أمر داود عليه السلام، نفاه بقوله دالاً على أنهما على الصواب في الاجتهاد وإن كان المصيب في الحكم هو أحدهما ﴿وكلاً﴾ أي منهما ﴿ءاتينا﴾ بما لنا من العظمة ﴿حكماً﴾ أي نبوة وعملاً مؤسساً على حكمة العلم، وهذا معنى ما قالوه في قول النبي ﷺ : إن من الشعر حكماً - أي قولاً صادقاً مطابقاً للحق ﴿وعلماً﴾ مؤيداً بصالح العمل، وعن الحسن رحمه الله : لولا هذه الآية لرأيت القضاة قد هلكوا، ولكنه أثنى على سليمان عليه السلام بصوابه، وعذر داود عليه السلام
١٠٠
باجتهادده انتهى.
وأتبعه من الخوارق ما يشهد له بالتقدم والفضل فقال :﴿وسخرنا﴾ أي بعظمتنا التي لا يعيبها شيء.


الصفحة التالية
Icon