ولما ذكر تسخير اليح له، ذكر أنه سخر له مأغلبعناصره النار والريح للعمل في الماء، مقابلة لارتفاع الحمل في الهواء باستفال الغوص في الماء فقال :﴿ومن﴾ أي وسخرنا له من ﴿الشياطين﴾ الذين هم أكثر شيء تمرداً وعتواً، وألطف شيء أجساماً ﴿من﴾ وعبر بالجمع لأنه أدل على عظم التصرف فقال :﴿يغوصون له﴾ في المياه لما يأمرهم به من استخراج الجواهر وغيرها من المنافع، وذلك بأن أكثفنا أجسامهم مع لطافتها لتقبل الغوص في الماء معجزة في معجزة، وقد خنق نبينا محمد ﷺ العفريت الذي جاء بشهاب من نار وأسر جماعة من أصحابه رضي الله عنهم عفاريت أتوا إلى ثمر الصدقة وأمكنهم الله منهم ﴿ويعملون عملاً﴾ أي عظيماً جداً.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٠١
ولما كان إقدارهم على الغوص اعلى ما يمون في أمرهم، وكان المراد استغراق إقدارهم على ما هو أدنى من ذلك مما يريده منهم، نزع الجار فقال :﴿دون ذلك﴾ أي تحت هذا الأمر العظيم أو غيره من بناء ما يريد، واصطناع ما يشاء، من الصنائع العجيبة، والآثار الغريبة، وفي ذلك تسخير الماء والتراب بواسطة الشاطين، فقد ختم عند انتهاء الإشارة إلى تسخير العناصر - بمن سخر له العناصر الربعة كما ابتدأ بذلك ﴿وكنا﴾ أى بعظمتنا التي تغلب كل سيء ﴿لهم حافظين*﴾ من أن يفعلوا غير ما يريد، ولمن يذكر هوداً عليه السلام هنا، إن كان قد سخر له الريح، لن عملها له كان على مقتضى العادة في التدمير والأذى عند عصوفها وإن كان خارقاً بقوته، والتي لسليمان عليه السلام للنجاة والمنافع، هذا مع تكرارها فأمرها أظهر، وفعلها أزكى وأطهر.
ولما أتم سبحانه ذكر من سخر لهم العناصر التي منها الحيوان المحتوم ببعثته تحقيقاً لذلك، ذكر بعدهم من وقع له أمر من الخوارق يدل على ذلك، إما بإعادة
١٠٣