ولما أفهم العطف الآتي أن الناس قسمان، وأن التقدير : فإن منكم من يؤمن فبتقي فينجو من شر ذلك اليوم الذي اقتضت الحكمة إظهار العظمة فيه ليزداد حزب الله فرحاً، وحزب الشيطان غماً وترحاً، عطف عليه قوله :﴿ومن الناس﴾ أي المذبذبين المضطربين ﴿من﴾ لا يسعى في إعلاء نفسه وتهذيباً فيكذب فيوبق بسوء أعماله، لأنه ﴿يجادل في الله﴾ أي في قدرة الملك الأعظم على ذلك اليوم وفي غير ذلمك من شؤونه بعد أن جاءه العلم بها اجتراء على سلطانه العظيم ﴿بغير علم﴾ بل بالباطل الذي هو جهل صرف، فيترك اتباع الهداة النصحاء ﴿ويتبع﴾ بغاية جهده في جداله ﴿كل شيطان﴾ أي محترق بالشر مبعد باللعن.
ولما كان السياق لذم متبعه، أشار إلى أنه لا قصد له في اتباعه إلا الشر، لأنه لا لبس في أمره بصيغة المبالغة كما مضى في النساء ويأتي في الصافات، فقال :﴿مريد*﴾ أي متجرد للفساد لا شغل غيره، فهو في غاية الضراوة عليه، قال البيضاوي : وأصله العرى ﴿كتب﴾ أي قضى وقدر على سبيل الحتم الذي لا بد منه، تعبير باللازم عن الملزوم ﴿عليه﴾ أي على ذلك الشيطان ﴿أنه من تولاه﴾ أي فعل معه فعل الولي مع وليه، باتباعه والإقبال على ما يزينه ﴿فإنه يضله﴾ بما يبغض إليه من الطاعات فيخطىء سبيل الخير.
ولما نفّر عن توليه بإضلاله لأن الضلال مكروه إلى كل أحد، بين أنه إضلال لا هدى معه أصلاً فقال :﴿ويهديه﴾ أي بما يزين له من الشهوات، الحاملة على الزلات، إعلاماً بأنه إن كان له هدى إلى شيء فهو ﴿إلى عذاب السعير*﴾.
ولما حذر الناس من ذلك اليوم، وأخبر أن منهم من يكذب، وعرف بمآله، فأفهخم ذلك أن منهم من يصدق به فيكون له ضد حاله، وكان كثير من المصدقين يعملون عمل المكذبين، أقبل عليهم سبحانه إقبالاً ثانياً رحمة لهم، منبهاً على أنه ينبغي أن لا يكون عندهم نوع من الشك في ذلك اليوم لما عليه من الآيات في الآفاق وفي أنفسهم، فقال دالاً عليه بالأمرين :﴿يا أيها اناس﴾
١٣٢