ولما قدم الضر لأنه من الأعذار المقبوله في ارتكاب الخطأ، أتبعه النفع قطعاً لكل مقال فقال :﴿وما لا ينفعه﴾ بوجه من الوجوه ولا بترك الضر إن وجد منه، ولو أسقطت " ما " من الثاني لظن أن الذم يشترط فيه انتفاء الضر والنفع معاً حتى أن من ادعى ما انتفى عنه أحدهما لم يذم ﴿ذلك﴾ أي الفعل الدال على أعظم السفه وهو دعاء شيء اتنتفى عنه القدرة على النفع، أو شيء انتفى عنه القدرة على الضر ﴿هو﴾ أي وحده ﴿الضلال البعيد*﴾ عن الحق والرشاد الذي أوصل إلى فياف مجاهل لا يتأتى الرجوع منها، وذلك لأن الأول لو ترك عبادته ما قدر على منع إحسانه، والثاني لو تقاداه ما وصل إلى نفعه ولا يترك ضره، فعبادتهما عبث، لأنه استوى فعلها وتركها.
ولما كان الإحسان جالباً للانسان، من غير نظر إلى مورده، لأن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها، بين أن مل قيل في جانب النفع إنما هو على سبيل الفرض فقال :﴿يدعوا﴾ ولما كان ما فرض أولاً فيما عبر عنه بـ " ما " قد يكون غير عاقل، فيكون ما صدر منه لعدمه العقل، أزال هذا الإبهام بقوله :﴿لمن﴾ أي زاعماً أن من ﴿ضره﴾ ولو بعبادته المجبة لأعظم الشقاء ﴿أقرب من نفعه﴾ الذي يتوقع منه - إله.
ولما كانت الولاية الكاملة لا تنبغي إلا لمن يكون توقع النفع منه والضر على حد سواء، لقدرته على كل منهما باخياره، وكان العشير لا يصلح إلا إن كان مأمون العاقبة، وكان هذا المدعو إن نظر إليه في جانب الضر وجد غير قادر عليه، أو في جانب النفع فكذلك، وإن فرض توقع نفعه أو ضره كان خوف ضره أقرب من رجاء نفعه، استحق غاية الذم :﴿لبئس المولى﴾ لكونه ليس مرجو النفع كما هو مخشي الضر ﴿ولبئس العشير*﴾ لكونه ليس مأمون الضر فهوو غير صالح لولاية ولا لعشرة بوجه.