ولما أفهم ما تقدم أن هذا الإله المدعو إليه قادر على كل من النفع والضر بالاختبار، وأن تجويز الوقوع لكل منهما منه على حد سواء، نبه على ذلك بقوله مستأنفاً :﴿إن الله﴾ أي الحائز لجميع صفات الكمال المنزه عن جميع شوائب النقص ﴿يدخل الذين آمنوا﴾ برسله وما دعت إليه من شأنه ﴿وعملوا﴾ تصديقاً لإيمانهم ﴿الصالحات﴾ الخالصة الشاهدة بثباتهم في الإيمان بعد ما ضرهم في الدنيا بأنواع المعايب، تطهيراً لهم مما اقترفوه من الزلات، وأهوتهم إليه الهفوات ﴿جنات تجري من تحتها﴾ أي من أيّ مكان أردت من أرضها ﴿الأنهار﴾ ولما كان هذا أمراً باهراً دل على
١٣٨
سهولته بقوله : تصريحاً بما أفهمه السياق من وصف الاختيار :﴿إن الله﴾ أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ﴿يفعل ما يريد*﴾ من كل نفع وضر.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٣٦
ولما أتم الدليل على خسران هذا المنقلب وربح الثابت، وكان هذا مفهماً لأن من رجاه لما وعد به بادر الإقبال عليه ولم ينفع إلا نفسه، ومن لا يرج ذلك أعرض عن الله سبحانه منقلباً على جهه فلم يضر إلا نفسه، ترجم عن حال هذا الثاني العبد على حرف بقوله :﴿من كان يظن﴾ أي ممن أصابته فتنة ﴿أن لن ينصره الله﴾ ذو الجلال والإكرام في حال من أحواله ﴿في الدنيا والآخرة﴾ فأعرض عنه انقلاباً على وجهه فإنه لا يضر إلا نفسه وإن ظن أنه لا يضرها ﴿فليمدد بسبب﴾ أي حبل أو شيء من الأشياء الموصلة له ﴿إلى السماء﴾ التي يريدها من سقف أو سحاب أو غيرهما.