ولما كان مده ذلك متعسراً أو متعذراً، عبر عما يتفرع عليه بأداة التراخي فقال :﴿ثم ليقطع﴾ أي ليوجد منه وصل وقطع، أي ليبذل جهده في دفع القضاء والقدر عنه، وهي لام أمر عند من حركها بالكسر إفهاماً لشدة الحركة في المزاولة للذهاب إلى السفل الدال على عدم العقل، وهم أبو عمرو وابن عامر وورش عن نافع ورويس عن يعقوب، أو أسكنها وهم الباقون ﴿فلينظر﴾ ببصره وبصيرته ﴿هل يذهبن﴾ وإن اجتهد ﴿كيده ما يغيظ*﴾ أي شيئاً يحصل له منه غيظ، أو يكون المعنى : فليفعل ما يفعله من بلغ منه الغيظ بأن يربط حبلاً بسقف بيته ثم ليربطه في عنقه ثم ليقطع ما بين رجليه وبين الأرض ليختنق، وهذا كما يقال لمن أدبر عنه أمر فجزع : اضرب برأسك الجدار إن لم ترض هذا، مت غيظاً - ونحو ذلك، والحاصل أنه إن لم يصبر على المصائب لله طوعاً صبر عليها كرهاً مع ما ناله من أسباب الشقاء.
ولما بين سبحانه هذه الآيات المرئية، في هذه الأساليب العلية، هذا البيان الشافي الهادي بإعجاز حكمه، بين أنه معجز أيضاً بنظمه، فقال :﴿وكذلك﴾ أي ومثل ما بينا هذه الآيات المرئية التي أنزلنا كلامنا لبيان حكمها وإظهار أسرارها ﴿أنزلناه﴾ أي الكلام كله بما لنا من العظمة الباهرة ﴿ءايات بينات﴾ معجزاً نظمها، كما كان معجزاً حكمها.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٣٩
زلما كان الكلام بيناً في أن التقديرك ليعلم إذا ضل ضال مع هذا البيان أن الله
١٣٩
يضل من يريد، عطف عليه قوله :﴿وأن﴾ أى وليعلم أن ﴿الله﴾ أي الموصوف بالإكرام، كما هو موصوف بالانتقام ﴿يهدي﴾ أي بآياته ﴿من يريد*﴾ أي لتين قدرته واختياره إزاحة لغم من يقول : إذا كانت الآيات المرئية والمسموعة في هذا الحد من البيان فما لأكثر الناس على ضلالهم يتخلف فيهم المسببات عن أسبابها.


الصفحة التالية
Icon