ولما كان اليهود عبدوا الأصنام متقربين بها إلى النجوم كما مضى في المائدة، أتبعهم من شابهوه فقال :﴿والصابئين﴾ ثم تلا بثاني فريقي أهل الكتاب فقال :﴿والنصارى﴾ ثم أتبعهم من أشبه بعض فرقهم في قولهم بإلهين اثنين فقال :﴿والمجوس﴾ وهم عبدة النار ؛ ثم ختم بأعم الكل في الضلال كما فتح بأعمهم في الهدى فقال :﴿والذين أشركوا﴾ لشمله كل شرك حتى الأصغر من الربا ةغيره ﴿إن الله﴾ أي الملك الأعظم الذي له الملك كله وهو أحكم الحاكمين ﴿يفصل بينهم يوم القيامة﴾ فيجازي كلاًَ بعمله على ما يقتضيه في مجاري عاداتكم، ويقتص لبعضهم من بعض، ويمز الخبيث منهم من الطيب ؛ ثم علل ذلك بقوله :﴿إن الله﴾ أ] أي الجامع لجميع صفات الكمال ﴿على كل شيء﴾ من الأشياء كلها ﴿شهيد*﴾ فلا شيء إلا وهو به عليم، فهو لذلك على كل شيء قدير، كما مضى بيانه في ﴿وسع كل شيء علماً﴾ [طه : ٩٨] في طه، وقال الحرالي في شرح الأسماء الحسنى : الشهادة رؤية خبرة بطية الشيء دخلته ممن له غنى في أمره، فلا شهادة إلا بخبرة وغنى ممن له اعتدال في نفسه بأن لا يحيف على غيره، فيكون ميزان عدل بينه وبين غيره، فيحق له أن يكون ميزانا بين كل متداعيين ممن يحيط بخبرة أمرهما ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً﴾ [البقرة : ١٣٤] وبحسب إحاطة علم الشهيد ترهب شهادته، ولذلك ارهب شهادة شهادة الله على خلقه ﴿قل أي شيء أكبر شهادة قل الله﴾ [الأنعام : ١٩] ولما كان أيّما الإحاطة والخبرة والرقبة لله كان بالحقيقة لا شهيد إلا هو - انتهى.
١٤٠
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٣٩