ولما كان جميع ما تقدم في هذه السورة دالاً على أنه على كل شيء قدير، وأنه يقعل ما يريد، وختم ذلك بأنه بكل شيء عليم لم يغب ولا يغيب شيء عنه، فاقتضى ذلك قيوميته، وكان بحيث يستعظم لكثرة الخلائق فكيف بأحوالهم، قرر ذلك في جواب من كأنه سأل فهي في معنى العلة، فقال :﴿ألم تر أن الله﴾ أي الحائز لجميع الكمال المبرأ عن كل نقص ﴿يسجد له﴾ أي يخضع منقاداً لأمره مسخراً لما يريد منه تسخير من هو في غاية الاجتهاد في العبادة والإخلاص فيها ﴿من في السماوات﴾.
ولما كان في السياق مقتضياً للإبلاغ في صفة القيومية بشهادة ذكر الفصل بين جميع الفرق، أكد بإعادة الموصول فقال :﴿ومن في الأرض﴾ إن أخلت غير العاقل فبالتغليب، وإن خصصت فبالعاقل أفهم خضوع غيره من باب الأولى.
ولما ذكر ما يعم العاقل وغيره، أتبعه بأشرف ما ذكر مما لا يعقل لأن كلاًّ منهما عبد من دون الله أو عبد شيء منه فقال :﴿والشمي والقمر والنجوم﴾ من الأجرام العلوية فعبد الشمس حمير، والقمر كنانة، والدبران تميم، والشعرى لخم، والثريا طيىء وعطارد أسداً، والمرزم ربعية - قاله أبو حيان.
ثم أتبع ذلك أعلام الذوات السفلية فقال :﴿والجبال﴾ أي التي تنحت منها الأصنام ﴿والشجر﴾ التي عبد بعضها ﴿والدواب﴾ التي عبد منها البقر، كل هذه الأشياء تنقاد لأمر الله، ومن المعلوم لكون هذه لا تعقل - أن أمره لها هو مراده منها.


الصفحة التالية
Icon