ولما علم بهذا أن الكل جارونن مع الإدراة منقادون أتم انقياد تحت طوع المشيئة، وأنه إنما جعل المر والنهي للمكلفين سبباً لإسعاد السعيد منهم وإشقاء الشقي، لإقامة الحجة عليهم على ما يتعارفونه من أحوالهم فيما بينهم، كان المعنى : فمن يكرم الله بتوفيقه لا متثال أمره فما له من مهين، فعطف عليه :﴿ومن يهن الله﴾ أي الذي له الأمر كله بمنابذة أمره ﴿فما له من مكرم﴾ لأنه لا قدرة لغيره اصلاً، ولعله إنما ذكره وطوى الأول لأن السياق لإظهار القدرة، وإظهارها في الإهانة أتم، مع أن أصل السياق للتهديد ؛ ثم علل أن الفعل له لا لغيره بقوله :﴿إن الله﴾ أي الملك الأعظم ﴿يفعل ما يشاء*﴾ أي كله، فلو جاز أن يمانعه غيره ولو في لحظة لم يكن فاعلاً لما يشاء، فصح أنه لا فعل لغيره، قال ابن كثير : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن شيبان الرملي نا القداح عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله عنه أنه قيل له : إن ههنا رجلاً يتكلم في المشيئةن فقال له علي : يا عبد الله خلقك الله كما تشاء أو كما شئت ؟ قالك بل كما شاء، قال : فيمرضك إذا شاء أو إذا شئت ؟ قالك بل إذا شاء، قال : فيشفيك إذا شاء أو إذا شئت ؟ قال : بل إذا شاء، قال : فيدخلك حيث شئت أو حيث يشاء ؟ قال : بل حيث يشاء، قال : والله لو قلت غير ذلك لضربت الذي فيه عيناك بالسيف، وقد مر في سورة يوسف عند ﴿إن الحكم إلا لله عليه توكلت﴾ [يوسف : ٦٧] ما ينفع هنا.
ولما قسم الناس إلى مخالف ومؤالف، أتبعه جزاءهم بما يرغب المؤالف ويرهب المخالف على وجه موجب للأمر بالمعروف الذي من جملته الجهاد لوجهه خالصاً فقالكك ﴿هذان﴾ أى الساجد والجاحد من جميع الفرق ﴿خصمان﴾ لا يمكن منهما المسالمة الكاملة إذ كل منهما في طرف.