ولما ذكر خصومتهم وشرطها، ذكر جزاءهم عليها في فصل الأمر الذي قدم ذكره، وبدأ بالترهيب لأن الإنسان إليه أحوج فقال :﴿فالذين كفروا﴾ منابذين لأمر ربهم ﴿قطعت﴾ تقطيعاً لا يعلم كثرته إلا الله، بأيسر أمر ممن لا أمر لغيره ﴿لهم﴾ الآن وهيئت وإن وافقوا مراد ربهم بمخالفتهم أمره ﴿ثياب من نار﴾ تحيط بهم وهي على مقاديرهم سابغة عليهم كما كانوا يسلبون الثياب في الدنيا تعاظماً وتكبراً حال كونهم ﴿يصب﴾ إذا دخلوها ﴿من فوق رؤوسهم الحميم*﴾ أي الماء الحار حرارة لا يدري مقدارها إلا بالذوق - أعاذنا الله منه، واستأنف الإخبار عنه بقوله :﴿يصهر﴾ أي يذاب، وأصله المخالطة الشديدة ﴿به﴾ من شدة الحرارته ﴿ما في بطونهم﴾ من شحم وغيره ﴿والجلود*﴾ فيكون أثره في البطن والظاهر سواء ﴿ولهم مقامع﴾ جمع مقمعة بكسر ثم فتح، وهي عمود حديد يضرب به الرأس والوجه ليرد المضوب عن مراده رداً عنيفاً، ثم نفى المجاز بقوله :﴿من حديد*﴾ أى يقمعون بها ﴿كلما أرادوا﴾ أي كلهم فالبعض بطريق الأولى ﴿أن يخرجوا منها﴾ أي من تلك الثياب أو من النار.
ولما كان السياق لخصومه أولياء الله المتصفين بما هو مقصود السورة من التقوى للكفار، المنابذين لها بكل اعتبارن اقتضى ذلك بشاة للأولياء ونذارة للأعداء - قوله زيادة على ما في السجدة :﴿من غم﴾ عظيم لا يعلم قدر الله إلا الله ﴿أعيدوا﴾، كل من ﴿فيها﴾ كأنهم يضربون بلهيب النار فيرفعهم حتى إذا كانوا في أعلاها ضربوا بالمقامع فهووا فيها سبعين خريفاً - قاله الحسن، أو أنهم يضطربون في تلك الثياب المقطعة من النار إلى أن يكادوا أن ينفصلوا منها وهم في النار ثم يردون كما كانوا، وذلك أشد في العذاب، مقولاً لهم : ارجعوا صاغرين مقاسين لغمومها ﴿وذوقا عذاب الحريق*﴾ أي العذاب البالغ في الإحراق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٤١
١٤٣


الصفحة التالية
Icon