الطرائق، هذا بعد أن حازوا أشرف الذكر في الدنيا عكس حال الكفار في اقتراف ما أدخلهم ما كلما أرادوا الخروج منه اعيدوا فيه، مع ما نالهم من سوء الذكر، بإقبالهم كالبهائم على الفاني مع خسته لحضوره، وإعراضهم عن الباقي مع شرفه لغيابه.
ولما بين ما للفريقين، تضمن ما للفريق الثاني بيان أعمالهم الدالة على صدق إيمانهم، كرر ذكر الفريق الأول لبيان ما يدل على استمرار كفرهم، ويؤكد بيان جزائهم، فقال :﴿إن الذين كفروا﴾ أي أوقعوا هذا الفعل الخبيث.
ولما مان المضارع قد لا يلحظ منه زمان معين من حال أو استقبال، بل يكون المقصود منه الدلالة على مجرد الاستمرار كقولهم : فلان يعطي ويمنع، قال عاطفاً له على الماضي :﴿ويصدون﴾ أي ويديمون الصد ﴿عن سبيل الله﴾ أي الملك الأعظم، باقتسامهم طرق مكة، وقول بعضهم لمن يمر به : خرج فينا ساحر، وآخر يقول شاعر، وآخر ك كاهن، فلا تسمعوا منه، فإنه يريد أن يردكم عن دينكم ؛ قال بعض من أسلم : لم يزالوا ب حتى جعلت في أدنى الكرسف مخافة أن أسمع شيئاً من كلامهم.
وكانوا يؤذون من أسلم - إلى غير ذلك من أعمالهم، ولعله إنما عبر بالمضارع رحمة منه لهم ليكون كالشرط في الكفر فيدل على أن من ترك الصد زال عنه الكفر وإن طال ذلك منه ﴿و﴾ يصدون عن ﴿المسجد الحرام﴾ أن تقام شعائره من الطواف فيه بالبيت والصلاة والحج والاعتمار ممن هو أهل ذلك من أوليائنا.
ثم وصفه بما يبين شديد ظلمهم في الصد عنه فقال :﴿الذين جعلناه﴾ بما لنا من العظمة ﴿للناس﴾ أي كلهم ؛ ثم بين جعله لهم بقوله :﴿سواء العاكف فيه﴾ أي المقيم ﴿والباد﴾ أي الزائر له من البادية ؛ قال الرازي في اللوامع :﴿سواء﴾ رفع بالابتداء، ﴿والعاكف﴾ خبره، وصلح من تنكيره للابتداء، لأنه كالجنس في إفادة العموم الذي هو أحسن العهد.