ولما ذكر الفريقين وجزاء كل وختمه بذكر البيت، أتبعه التذكير به وبحجه، ن لما فيه من التذكير بالقيامة الحاملة على التقوى التي هي مقصد السورة، بما فيه من الوفادة على الله، مع التجرد من المحيط، والخضوع للرب، والاجتماع في المشاعر موقفاً في أثر موقف، ولما فيه من الحث على التسنن بأبيهم الأعظم إبراهيم عليه السلام فقال، مقرعاً وموبخاً لمن أشرك في نفعه " أسست على التوحيد من أول يوم " عطفاً على قوله أول السورة ﴿اتقوا﴾ ﴿وإذ﴾ أي واذكروا إذ ﴿بوأنا﴾ بما لنا من العظمة، ولما لم يجعله سبحانه سكنه بنفسه، قصر الفعل عن التعدية إلى مفعوله الأول فقال :﴿لإبراهيم﴾ أي قدرنا له ﴿مكان البيت﴾ أى الكعبة وجعلناه له مباءة، أي منزلاً يبوء إليه أي يرجع، لأنه - لما نودعه فيه من اللطائف - أهل لأن يرجع إليه من فارقه ويحن إليه، ويشتاق من باعده وينقطع إليه بعض ذريته، من المباءة بمعنى المنزل، وبوأه إياه وبوأه له، أي أنزله، قال في ترتيب المحكم : وقيل : هيأته ومكنت له فيه.
ويدل على أن إبراهيم عليه السلام أول بان للبيت ما في الصحيح " عن أبي أبي ذر رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله! أي مسجد وضع أول ؟ قال :"المسجد الحرام"، قلت : ثم أيّ ؟ قال :"بيت المقدس"، قلت : كم بينهما ؟ قال :"أربعون سنة" ولما كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام نبياً، كان من
١٤٦
المعلوم أن نبوتته له لأجل العبادة، فكان المعنى : قلنا له : أنزل أهلك هاهنا وتردد إلى هذا المكان للعبادة، فذلك فسره بقوله :﴿أن لا تشرك بي شيئاً﴾ فابتدأ بأسّ العبادة ورأسها، وعطف على النهي قولهك ﴿وطهر بيتي﴾ عن كل مل لا يليق به من قذر حسي وعنوي من شرك ووثن وطواف عريان به، كما كانت العرب تفعل ﴿للطائفين﴾ به.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٤٦