ولما كان تسخيرها لمثل هذا القتل على الكيفية مع قوتها وكبرها أمرً باهراً للعقل عند التأمل، نبه عليه بالتحريك للسؤال عما هو أعظم منه فقال :﴿كذلك﴾ أي مثل هذا التسخير العظيم المقدار ﴿سخرناها﴾ بعظمتنا التي لولاها ما كان ذلك ﴿لكم﴾ وذللناها ليلاً ونهاراً مع عظمها وقوتها، ولو شئنا جعلناها وحشية ﴿لعلكم تشكرون*﴾
١٥٤
أي لتتأملوا ذلك فتعرفوا أنه ما قادها لكم إلا الله فيكون حالكم حال من يرجى شكره، فتوقعوا الشكر بأن لا تحرموا منها إلا ما حرمن ولا تحلوا إلا ما أحل، وتشهدوا منها ما حث على إهدائه، وتتصرفوا فيها بحسب ما أمركم.
ولما حث على التقرب بها مذكوراً اسمه عليها، وكان من مكارم الأخلاق، وكان أكثرهم يفعله، وكانوا ينضحون البيت ونحوه بدماء قرابينهم، ويشرحون اللحم، ويضعونه حوله، زاعمين أن ذلك قربة، وقد كان بعض ذلك شرعاً قديماً، نبه سبحانه على نسخ ذلك بأن نبه على أن المقصود منه روحه لا صورته فقال :﴿لن ينال﴾ أي يصيب ويبلغ ويدرك.
ولما كان السياق للحث على التقريب له سبحانه، كان تقديم اسمه على الفاعل أنسب للإسراع بنفي ما قد يتوهم من لحاق نفع أو ضر، فقال معبراً بالاسم العلم الذي حمى عن الشركة بكل اعتبار :﴿الله﴾ أي رضا الملك الذي له صفات الكمال فلا يلحفه نفع ولا ضر ﴿لحومها﴾ المأكوله ﴿ولا دماؤها﴾ المهراقة ﴿ولكن يناله التقوى﴾ أي عمل القلب وهي الصفة المقصود بها أن تقي صاحبها سخط الله، وهي التي استولت على قلبه حتى حملته على امتثال اموامر التي هي نهايات لذلك، الكائنة ﴿منكم﴾ الحاملة على التقرب التي تكون بها يمون له روح القبول، المحصلة للمأمول ؛ قال الرازي في اللوامع : وهذا دليل على أن النية الخالصة خير من الأعمال الموظفة - انتهى.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٥٣