ولما كان موسى عليه السلام قد أتى من الآيات المرئية ثم المسموعة بما لم يأت بمثله أحد ممن تقدمه، فكان تكذيبه في غاية من البعد، غير سبحانه الأسلوب تنبيهاً على ذلك، وعلى أن الذين أطبقوا على تكذيبه القبط، وأما قومه فما كذبه منهم إلا ناس يسير، فقال :﴿وكذب موسى﴾ وفي ذلك ايضاً تعظيم للتأسية وتفخيم للتسلية ﴿فأمليت للكافرين﴾ أي فتعقب عن تكذيبهم أني أمهلتهم بتلأخير عقوبتهم إلى الوقت الذي ضربته لهم، وعبر عن طول الإملاء بأداة التراخي لزيادة التأسية فقال :﴿ثم أخذتهم﴾ ونبه سبحانه وتعالى على أنه كان في أخذهم عبر وعجائب، وأهوال وغرائب، بالاستفهام في قوله :﴿فكيف كان نكير*﴾ أى إنكاري لأفعالهم، فليحذر هؤلاء الذين أتيتهم بأعظم ما أتى به رسول قومه مثل ذلك.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٥٦
ولم كانت هذه الأمم السبعة أكثر أهل الأرض، بل كانت أمة منهم أهل الأرض كما مضى بيانه في الأعراف، فكيف بمن عداهم ممن كان في أزمانهم وبعدهم، وأخبر سبحانه وتعالى أن عادته فيهم الإملاء ثم الإهلاك، تسبب عن ذلك تهويل الإخبارعنهم وتكثيرهم، فقال تعالى شارحاً للأخذ والإمهال على طريق النشر والمشوش :
١٥٩
﴿فكأين من قرية أهلكناها﴾ كهؤلاء المذكورين وغيرهم، وفي قراءة الجماعة غير أبي عمرو بالنون إظهاراً للعظمة ﴿وهي﴾ أي والحال أنها ﴿ظالمة فهي﴾ أي فتسبب عن إهلاكها أنها ﴿خاوية﴾ أي متهدمة ساقطة أي جدرانها ﴿على عروشها﴾ أي سقوفها، بأن تقصفت الأخشاب ولا من كثرة الأمطار، وغير ذلك من الأسرار، فسقطت ثم سقطت عليها الجدران.