ولما دل على نصر أوليائه، وقسر أعدائه، بشهادة تلك القرىوختم بالتعجيب من استعجالهم مع ما شاهدوا من إهلاك أمثالهم، وأعلمهم ما هو عليه من الأناة، واتساع العظمة، وكبر المقدار، عطف على ﴿فكأين﴾ نمحذراً من نكاله، بعد طويل إمهاله، قوله :﴿وكأين من قرية﴾ أي من أهلها ﴿أمليت لها﴾ أي أمهلتها كما أمهلتكم ﴿وهي ظالمة﴾ كظلمكم لالاستعجال وغيره ﴿ثم أخذتها﴾ أى بالعذاب ﴿وإليّ المصير*﴾ بانقطاع كل حكم دون حكمي، كما كان مني البدء، فلم يقدر أحد أن يمنع من خلق ما أردت خلقه، ولا أن يخلق ما لم ارد خلقه، فلا نغتروا لالإمهال، وإن تمادت الأيام والليالي، واحذروا عواقب الوبال، وإن بلغتم ما أردتم من الآمال، ولعله إنما طوى ذكر البدء، لأنه احتجب فيه بالأسباب فغلب فيه اسمه الباطن، ولذلك ضل في هذه الدار أكثر الخلق وقوفاً مع الأسباب.
ولما كان الاستعجال بالأفعال لا يطلب من الرسول، وكان الإخبار باستهزائهم وشدة عماهم ربما أفهم الإذن في الأعراض عنهم اصلاً ورأساً قال سبحانه وتعالى مزيلاً لذلك منبهاً على أن مثله إنما يطلب من المرسل، لا من الرسول :﴿قل﴾ أي لهم، ولا يصدنك عن دعائهم ما أخبرناك به ن عماهم ﴿يا أيها الناس﴾ أي جميعاً من قومي وغيرهم ﴿إنما أنا لكم نذير﴾ أي وبشير، وإنما طواه لأن المقام للتخويف، ويلزم منه الآمن للمنتهى فتأتي البشارة، ولأن النذارة هي المقصود العظم من الدعوة، لأنه لا يقدم عليها إلا المؤيدون بروح من الله ﴿مبين*﴾ أي لكل ما ينفعكم لتلزموه.
ويضركم فتتركوه لا إلهن أعجل لكم العذاب ؛ ثم تسبب عن كونه مبيناً العلم بأن وصف البشارة مراد وإن طوي، فدل عليه سبحانه بقوله تفضيلاً لأهل البشارة والنذارة :﴿فالذين آمنوا﴾ أي أقروا بالإيمان ﴿وعملوا﴾ أي تصديقاً لدعواهم ذلك ﴿الصالحات لهم مغفرة﴾ لما فرط منهم من التقصير لأنه لن يقد أحد أن يقدر الله حق قدره.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٦١