ولما كان كأنه قيل : ما معنى اختصاصه به وكل الأيام له ؟ قيل :﴿يحكم بينهم﴾ أي بين المؤمنين والكافرين بالأمر الفيصل، لا حكم فيه ظاهراً ولا باطناً لغيره، كما ترونه الآن، بل يمشي فيه الأمر على أتم قوانين العدل، ولذلك سبب ظهور العدل عنه قوله مفصلاً بادئاً.
إظهاراً لتفرده بالحكم بإكرام من كانوا قاطعين بهوانهم في الدارين مع أن تقديمهم أوفق لمقصود السورة :﴿فالذين آمنوا وعملوا﴾ أي وقصدوا دعواهم الإيمان بأن عملوا ﴿الصالحات﴾ وهي ما أمرهم الله به.
١٦٦
ولما كانت إثابته لأهل طاعته تفضلاً منه، نبه على ذلك بإعراء الخبر عن الفاء السببية بخلاف ما يأتي في حق الكفار فقال :﴿في جنات النعيم*﴾ في الدنيا مجازاً، لمآلهم إليهم مع ما يجدونه من لذة المناجاة واستشعار القرب وفي الآخرة حقيقة بما رحمهم الله به من توفيقهم للأعمال الصالحة ﴿والذين كفروا﴾ أى غطوا ما أعطيناهم من المعرفة بالأدلة على وحدانيتنا ﴿وكذبوا بىياتنا﴾ ساعين - بما اعطيناهم من الفهم في تعجيزها بالمجادلة بما يوحي إليهم أولياؤهم من الشياطين من الشبه، وقرن الخبر بالفاء إيذاناً بأنه مسبب عن كفرهم فقال :﴿فأولئك﴾ أي البعداء عن أسباب الكرم ﴿لهم عذاب مهين*﴾ بسبب ما سعوا في إهانة ىياتنا مريدين إعزاز أنفسهم بمغالبتها والتكبر عن اتباعها.
ولما كان المشركون يمنعون بهذ الشبه وغيرها كثيراً من الناس الإيمان، وكانوا لا يتمكنون بها إلا ممن يخالطهم، رغب سبحانه في ا لهجرة فقال :﴿والذين هاجروا﴾ أي أوقعوا هجرة ديارهم وأهليهم ﴿في سبيل الله﴾ أي طريق ذي الجلال والإكرام التي شرعها، فكانت ظرفاًُ لمهجرتهم، فلم يكن لها بها غرض آخر.
ولما كان أكثر ما يخاف من الهجرة القتل.