ولما كان التقدير : فإن الله لشكور حميد، وكان من المعلوم قطعاً أنه لا يقدر أحد أن يقدر الله حق قدره وإن اجنهد، لأن الإنسان محل الخطأ والنسيان، فلو أوخذ بذلك هلك، وكان ربما ظن ظان أنه لو علم ما قصروا فيه لغضب عليهم، عطف على ما قدرته قوله :﴿وإن الله﴾ أي الذي عمت رجمته وتمت عظمته ﴿لعليم﴾ أي بمقاصدهم وما علموا مما يرضيه وغيره ﴿حليم*﴾ عما قصروا فيه من طاعته، وما فرطوا في جنبه سبحانه.
ولما ختم هذه الآيات - التي الإذن للمظلومين في القتال للظالمين - بصفة الحلم، فكان ذلك مخيلة لوجوب العفو عن حقوق العباد كما في شريعة عيسى عليه الصلاة والسلام، نفى ذلك بقوله إذناً للمجهرين فيمن أخرجهم من ديارهم أن يخرجوه من دياره ويذيقوه بعض ما توعده الله به من العذاب المهين :﴿ذلك﴾ أي الأمر المقرر من صفة الله تعالى ذلك ﴿ومن عاقب﴾ من العباد بأن أصاب خصمه، لمصيبة يرجو فيها العاقبة ﴿بمثل ما عوقب﴾ أي عولج علاج من يطلب حسن العاقبة ﴿به﴾ من أي معاقب كان فلم يتجاوز إلى ظلم ﴿ثم بغي﴾ أي من أيّ باغ كان ﴿عليه﴾ بالعود إلى خصومته لأخذه حقه.
ولما كان ما يحصل للمبغي عليه بالكسر عودا على بدء من الذل والهوان مبعداً لأن ينجبر، أكد وعده فقالك ﴿لينصرنه الله﴾ أي الذي لا كفوء له.
ولما قيد ذلك بالمثلية، وكان أمراً خفياً، لا يكاد يوقف عليه، فكان ربما وقعت المجاوزة خطأ، فظن عدم النصرة لذلك، أفهم تعالى أن المؤاخذة إنما هي
١٦٨
بالعمد، بقوله ؛ ويجوز أن يكون التقدير ندباً إلى العفو بعد ضمان النصر : إن الله لعزيز حكيم، ومن عفا وأصلح فقد تعرض لعفو الله عن تقصيره، ومغفرته لذنوبه، فهو احتباك : ذكر النصرة دليل العزة والحكمة، وذكر العفو منه سبحانه دليل حذف العفو من العبد ﴿إن الله﴾ أي الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلماً ﴿لعفو﴾ أي عمن اقتص ممن ظلمه أول مرة ﴿غفور*﴾ لمن اقتص ممن بغى عليه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٦٨