ولما ختم بهذين الوصفينن ذكر من الدليل عليهما أمراً جامعاً للمصالح، عاماً للخلائق، يكون فيه وبه الإحسان بالخلق والرزق فقال :﴿ذلك﴾ أي معرفة اتصافه سبحانه بهذين الوصفين ﴿بأن الله﴾ المتصف بجيع صفات الكمال ﴿يولج﴾ لأجل مصالح العباد المسيء والمحسن ﴿الليل في النهار﴾ فيمحو ظلامه بضيائه، لو شاء مؤاخذة الناس لجعله سرمداً فتعطلت مصالح النهار ﴿ويولج النهار بالليل﴾ فينسخ ضياءه بظلامه، ولولا ذلك لتعطلت مصالح الليل، أو يطول أحدهما حيث يراد استيلاء ما طبع عليه على عضد ما طبع عليه آخر لما يراد من المصالح التي جعل ذلك لأجلها ﴿وأن الله﴾ بجلاله وعظمته ﴿سميع﴾ لما يمكن أن يسمع ﴿بصير*﴾ أي مبصر عالم لما يمكن أن يبصر دائم الاتصاف بذلك فهو غير محتاج إلى سكون الليل ليسمع، ولا لضياء النهار ليبصر، لأنه منزه عن الأعراض، وهو لتمام قدرته وعلمه لا يخاف في عفوه غائلة، ولا يمكن أن يفوته أمر، أو يكون التقدير : ذلك النصر والعفو بأنه قادر وبأنه عالم.
ولما وصف نفسه سبحانه بما ليس لغيره فبان بذلك نقير ما سواه بفعله علله بقوله :﴿ذلك﴾ أي الاتصاف بتمام القدرة وشمول العلم ﴿بأن الله﴾ الحاوي لصفات الكمال، القادر على إخراج المعدوم وتجديد ما فات، من نشر الأموات وغيره ﴿هو﴾ وحده ﴿الحق﴾ أي الواجب الوجود ﴿وأن ما يدعون﴾ أي دعاء عبادة وهم لا يسمعون.
ولما كان سبحانه فوق كل شيء بقهره وسلطانه، قال محقراً لهم :﴿من دونه﴾ أي من هذه الأصنام وغيرها، ولم يتقدم هنا من الدليل على بطلان الأوثان مثل ما ذكره في لقمان الداعي الحال إلى التأكيد بضمير الفصل فقال :﴿هو الباطل﴾ لأنه ممكن وجوده وعدمه، فليس له من ذاته إلا العدم كغيره من الممكنات ﴿وأن الله﴾ لكونه هو الحق الذي لا كفوء له ﴿هو﴾ وحده ﴿العلي الكبير*﴾ وكل ما سواه سافل حقير، تحت قهره وأمره، فهو يحيي الموتى كما تقدم أول السورة.