ولما دل ما تضمنه رزقه سبحانه للميت في سبيله بقتل أو غيره على إحيائه له، ودل سبحانه على ذلك وعلى أنه خير الرازقين بما له من العظمة، وختم بهذين الوصفين، أتبعه دليلاً آخر على ذلك كله بآية مشاهدة جامعة بين العالم العلوي والسفلي
١٦٩
قاضية بعلوه وكبره، فقال :﴿الم تر﴾ أي أيها المخاطب ﴿أن الله﴾ أي المحيط قدرة وعلماً ﴿أنزل من السماء ماء﴾ بأن يرسل رياحاً فتثير سحاباً فيمطر على الأرض الملساء.
ولما كان هذا الاستفهام المتلو بالنفي في معنى الإثبات لرؤية الإنزال لكونه فيه معنى الإنكار، عطف على ﴿أنزل﴾ معقباً له على حسب العادة قولع، معبراً بالمضارع تنبيهاً على عظمة النعمة بطول زمان أثر المطر وتجدد نفعه :﴿فتصبح الأرض﴾ أي بعد أن كانت مسدة يابسة، ميتة هامدة ﴿مخضرة﴾ حية يانعة، مهتزة نامية، بما فيه رزق العبادة، وعمار البلاد، ولم ينصب على أنه جوابه لئلا يفيد نفي الاخضرار، وذلك لأن الاستفهام من حيث فيه معنى الإنكار نفي لنفي رؤية افنزال الذي هو إثبات الرؤية، فيكون ما جعل جواباً له منفياً، لأن الجواب متوقف على ما هو جوابه، فإذا نفى ما عليه التوقف انتفى المتوقف عليه، أي إذا نفى الملزوم انتفى اللازم، وإذا نفي السبب انتفى المسبب - كما تقدم " فتكون لهم قلوب " فلو نصب " يصبح " على أنه جواب الاستفهام لكان المعنى أن عدم الاخضرار متوقف على نفي للإنزال الذي هو إثبات الإنزال، وهو واضح الفساد، أفاد شيخنا الإمام أبو الفضل رحمه الله.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٦٨