ولما كان هذا إنتاجاً للأشياء من أضدادها، لأن كلاًّ من الماء في رقته وميوعه والتراب في كثافته، وجموده في غاية البعد عن النبات في تنوعه وخضرته، ونموه وبهجته، قال سبحانه وتعالى منبهاً على ذلك :﴿إن الله﴾ أي الذي له تمام العز وكمال العلم ﴿لطيف﴾ أي يسبب الأشياء عن أضدادها ﴿خبير*﴾ أي مطلع على السرائر وإن دقت، فلا يستبعد عليهه إحياء من أراد بعد موته، والإحسان في رزقه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٦٨
ولما اقتضى ذلك انهى الترف، لأنه لا بد بعد اختلاط الماء بالتراب من أمور ينشأ عنها النبات، على تلك الهيئات الغريبة المختلفة، فأوجب ذلك أن يكون هو المالك المطلق، قال :﴿له ما في السماوات﴾ أي التي أنزل منها الماء، ولما كان السياق لإثبات البعث والانفراد بالماك والدلالة على ذلك، اقتضى الحال التأكيد بإعادة الموصول فقال :﴿وما في الأرض﴾ أي التي استقر فيها، وذلك يقتضي ملك
١٧٠
السماوات} والأرضين، فإن كل واحدة منها في التي فوقها حتى ينتهي الأمر إلى عرشه سبحانه الذي لا يجوز أصلاً أن يكون لغيره.
ولما كان من المألوف عندنا أن المالك فقير إلى ما في يده ؛ مذموم على إمساكه بالتقتير، وعلى بذله بالتبذير، بين أنه بخلاف ذلك فقال :﴿وإن الله﴾ أي الذي له الإحاطة التامة ﴿لهو﴾ أي وحده ﴿الغني﴾ أي عنهما وعما فيهما، ما خلق شيئاً منهما أو فيهما لحاجة له إليه بل لحاجتكم أنتم إليه ﴿الحميد*﴾ في كل ما يعطيه أو يمنعه، لما في ذلك من الحكم الخفية والجلية ؛ ثم استدل على ذلك بقوله تعالى :﴿ألم تر﴾ أي أيها المخاطب ﴿أن الله﴾ أي الحائز لصقفات الكمال، من الجلال والجمال ﴿سخر لكم﴾ فضلاً منه ﴿ما في الأرض﴾ كله من مسالكها وفجاجها وما فيها من حيوان وجماد، زروع وثمار، فعلم أنه غير محتاج إلى شيء منه ولما كان تسخير السلوك في البحر من أعجب العجب، قال :﴿والفلك﴾ أي وسخرها لكم موسقة بما تريدون من البضائع.