ثم بين تسخيرها بقوله :﴿تجري في البحر﴾ أي العجاج، المتلاطم بالأمواج، بريح طيبة على لطف وتؤدة.
ولما كان الراكب فيها - مع حثيث السير وسرعة المر - مستقراً كأنه على الأرض، عظم الشأن في سيرها بقوله :﴿بأمره﴾ ولما كان إمساكها على وجه الماء مع لطافته عن الغرق أمراً غريباً كإمساك السماء على متن الهواء عن الوقوع، أتبعه قوله :﴿ويمسك السماء﴾ ثم فسر ذلك بقوله مبدلاً :﴿أن تقع﴾ أى مع علوها وعظمها وكونها بغير عماد ﴿على الأرض﴾ التي هي تحتها.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٧٠
ولما اقتضى السياق أنه لا بد أن تقع لانحلاله إلى أن يمنع وقوعها لأنها جسم كثيف عظيم، ليس له من طبعه إلا السفول، أشار إلى ذلك بقوله :﴿إلا بإذنه﴾ أي فيقع غذا أذن في وقوعها حين يريد طي هذا العالم وإيجاد عالم البقاء.
ولما كان هذا الجود الأعظم والتدبير المحكم محض كرم من غير حاجة أصلاً، أشار إليه بقوله :﴿إن الله﴾ أي الذي له الخلق والأمر.
ولما كان الجماد كله متاعاً للحيوان، اقتضى تقديم قولهك ﴿بالناس﴾ أى على ظلمهم ﴿لرؤوف﴾ أي بما يحفظ من سرائرهم عن الزيغ بإرسال الرسل، وإنزال الكتب ونصب المناسك، التي يجمع معظمها البيت الذي بوأه لإبراهيم عليه السلام، وهو التوحيد والصلاة والحج الحامل على التقوى التي بنيت عليها السورة، فإن الرأفة كما قال الحرالي : ألطف الرحمة وأبلغها، فالمرؤوف به تقيمه عنايةة الرأفة حتى تحفظ
١٧١
بمسراها في سره ظهور ما يستدعي العفو، وتارة يكن هذا الحفظ بالقوةة بنصب الأدلة، وتارة يضم إلى ذلك الفعل بخلق الهداية في القلب، وهذا خاص بمن له بالمنعم نوع وصلة.