﴿رحيم*﴾ بما يثبت لهم عموماً من الدرجات على ما منحهم به من ثمرات ذلك الحفظ من الأعمال المرضية لما تقدم في الفاتحة من أن الرحيم خاص الرحمة بما ترضاه الإلهية، وتقدم في البقرة تحقيق هذا الموضع ولما بين سبحانه جملاً من أمهات الدين، وأتبعها لأهله على المعتدين، وختم بما بعد الموت للمهاجرين، ترغيباً في منابذة الكافرين، وعرّف بما له من تمام العلم وشمول القدرة، ومثل ذلك بأنواع من التصرف في خلق السموات والأرضين، وأنهاه بالدلالة على أنه كله لنفع الآدميين نعمة منه، تلا ذلك بما هو أكبر منه نعمة عليهم فقال :﴿وهو﴾ أي وحده ﴿الذي أحياكم﴾ أي عن الجمادية بعد أن أوجدكم من العدم بعد أن لم تكونوا شيئاً، منة منه عليكم مستقلة، لزم منها المنة بما تقدم ذكره من المنافع الدنيوية لتستمر حياتكم أولاً، الدينية لتنتفعوا بالبقاء ثانياً ﴿ثم يميتكم﴾ ليكون الموت واعظاً لأولي الصائر منكم، وزاجراً لهم عما طبعوا عليه من الأخلاق المذمومة ﴿ثم يحييكم﴾ للتحلي بفصل القضاء وإظهار العدل في الجزاء.
ولما علم أن كل م في الوجود من جوهر وعرض نعمة على الإنسان حتى الحياة والموت، وكان من أجلي الأشياء، وكانت أفعاله معرضة عن الرب هذه النعم بالعبادة لغيره، أو التقصير في حقه على عمم فضله وخيره، ختم الآية سبحانه بقوله :﴿إن الإنسان لكفور*﴾ أى بليغ الكفر حيث لم يشكر على هذه النعم المحيطة به.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٧٠