ولما تقدم ذكر المناسك، ولكثرة الكفار قد يقع في النفس أن إقانتها معجوز عنها، وكشف سبحانه غمة هذا السؤال بآية ﴿إن الله يدافع عن الذي آمنوا﴾ وما بعدها، فأنتج ذلك علمنا بتصرفه التام بقدرته الباهرة، وعلمه الشامل المقتضي لإقبال العباد إليه، واجتماعهم كلهم عليه، فمن شك في قدرته على إظهار دينه بمدافعته عن أهله، أو نازع فيه فهو كفور، ذكر بإظهار أول هذا ا لخطاب بآخر ذلك الخطاب مؤكداً لما أجاب به عن ذلك السؤال من تمام القدرة وشمول العلم أنه هو الذي مكنن لكل قوم ما هم فيه من المناسك التي بها انتظام الحياة، فإن نوافقت الأمر الإلهي كانت سبباً للحياة الأبدية، وإلا كانت سبباً للهلاك الدائم، وهو سبحانه الذي نصب من الشرائع لكل قوم ما يلائمهم، لأنه بتغيير الزمان بإيلاج الليل في النهار على مر الأيام وتوالي الشهور والأعوام، بسبب من الأسباب - لأجل امتحان العباد، وإظهار ما خبأ في جبلة كل منهم من طاعة وعصيان، وشكر وكفران - ما يصير الفعل مصلحة بما يقتضيه من الأسباب بعد أن كان
١٧٢
مفسدة وبالعكس، لا قتداره على كل شيء وإظهار اقتداره كما قال تعالى عند أول ذكره للنسخ ﴿ألم تعلم أن الله هلى كل شيء قدير﴾ [البقرة : ١٠٦] الآياتن فعلم أن منازعتهم فيه كفر، فلذلك أتبع هذا قوله من غير عاطف لما بينهما من تمام الاتصال :﴿لكل أمة﴾ أي في كل زمان ﴿جعلنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿منسكاً﴾ أي شرعاً لاجتماعهم به على خالقهم حيث وافق أمره، ولاجتماعهم على أهوائهم إذا لم يوافقه، وعن ابن جرير أم أصل المنسك في كلام العرب هو الموضع الذي يعتاده الإنسان ويتردد إليه إما لخير أو لشر.


الصفحة التالية
Icon