ولما كان حفظ ما يقع بينهم على كثرتتهم في طول الأزمان أمراً هائلاً، أتبعه قوله :﴿الم تعلم أن الله﴾ بجلال عزه وعظيم سلطانه ﴿يعلم ما في﴾ ولما كان السياق لحفظ أحوال الثقلين للحكم بينهم، وكان أكثر ما يتخيل أن بعض الجن يبلغ استراق السمع من السماء الدنيان لم تدع حاجة إلى ذكر أكثر منها، فأفرد معبراً بما يشمل لكونه جنساً -
١٧٤
الكثير أيضاً فقال :﴿السماء والأرض﴾ مما يتفق منهم ومن غيرهم من جميع الخلائق الحيوانات وغيرها.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٧٤
ولما كان الإنسان محل النسيان، لا يحفظ الأمور إلا بالكتاب، خاطبة بما يعرف، مع ما فيه من عجيب القدرة، فقال :﴿إن ذلك﴾ أي الأمرالعظيم ﴿في كتاب﴾ كتب فيه كل شيء حكم بوقوعه قبل وقوعه وكتب جزاءه ؛ ولما كان جمع ذلك في كتاب أمراً بالنسبة إلى الإنسان متعذراً، أتبعه التعريف بسهولته عنده فقال :﴿إن ذلك﴾ إلى علم ذلك الأمر العظيم بلا كتاب، وجمعه في كتاب قبل كونه وبعده ﴿على الله﴾ أي الذي لا حد لعظمته، وحده ﴿يسير*﴾.
ولما أخبر سبحانه أن الشك لا يزال ظرفاً لهم - لما يلقى الشيطان من شبهه في قلوبهم القابلة لذلك بما لها من المرض وما فيها من ا لفساد إلى إتيان الساعة، وعقب ذلك بما ذكر من الحكم المفصلة، والأحكام المشرفة المفضلة، إلى أن ختم بأنه وحده الحكم في الساعة، مرهباً من تمام علمه وشمول قدرته، قال معجباً ممن لا ينفعه الموعظة ولا يجوز الواجب وهو يوجب المحال، عاطفاً على ﴿ولا يزال﴾ :﴿ويعبدون﴾ أي على سبيل التجديد والاستمرار ﴿من دون الله﴾ أي من أدنى رتبة من رتب الذي قامت جميع الدلائل على احتوائه على جميع صفات الكمال، وتنزهه عن شوائب النفص ﴿مل لم ينزل به سلطاناً﴾ أي حجة واحدة من الحجج.


الصفحة التالية
Icon