ولما كان هذا التفصيل لتطوير الإنسان سبباً لتعظيم الخالق :﴿فتبارك﴾ أي ثبت ثباتاً لم يثبته شيء، بأن حاز جميع صفات الكمال، وتنزه عن كل شائبة نقص، فكان قادراً على كل شيء، ولو داناه شيء من عجز لم يكن تام الثبات، ولذلك قال :﴿الله﴾ فعبر بالاسم العلم الجامع لجميع الأسماء الحسنى ؛ وأشار إلى جمال الإنسان بقوله :﴿أحسن الخالقين*﴾ أي المقدرين، أي قدر هذا الخلق العجيب هذا التقدير، ثم طوره في أطواره ما بين طفل رضيع، ومحتلم شديد، وشاب نشيط، وكهل عظيم، وشيخ هرم - إلى ما بين ذلك من شؤون لا يحيط بها إلا اللطيف الخبير.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٨٧
ولما كانت إماتة ما صار هكذا - بعد القوة العظيمة والإدراك التام - من الغرائب، وكان وجودها فيه وتكرارها عليه في كل وقت قد صيرها أمراً مألوفاً، وشيئاً ظاهراً مكشوفاً، وكان عتو الإنسان على خالقه وتمرده ومخالفته لأمره نسياناً لهذا المألوف كالإنكار له، اشار إلى ذلك بقوله تعالى مسبباً مبالغاً في التأكيد :﴿ثم إنكم﴾ ولما كان من الممكن ليس له من ذاته إلا العدم، نزع الجار فقال :﴿بعد ذلك﴾ أي الأمر العظيم من الوصف بالحياة والمد في العمر في آجال متفاوتة ﴿لميتون*﴾ وأشار بهذا النعت
١٨٨
إلى أن الموت أمر ثابت للإنسان حيّ في حال حياته لازم له، بل ليس لممكن من ذاته إلا العدم.
ولما تقرر بذلك القدرة على البعث تقرراً لا يشك فيه عاقل، قال نافياً ما يوهمه إعراء الظرف من الجار :﴿ثم إنكم﴾ وعين البعث الأكبر التام، الذي هو محط الثواب والعقاب، لأن من أقر به أقر بما هو دونه من الحياة في القبر وغيرها، فقال :﴿يوم القيامة﴾ أي الذي يجمع فيه جميع الخلائق ﴿تبعثون*﴾ فنقصه عن تأكيد الموت تنبيهاً على ظهوره، ولم يخله عن التأكيد لكنه على خلاف العادة، وليس في ذكر هذا نفي للحياة في القبر عند السؤال.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٨٧