والطور من جملة كور مصر، منه إلى بلد قلزم على البر مسيرة أربعة أيام، ومنه إلى فسطاط مصر مسيرة سبعة أيام - انتهى كلام ابن القاص، وسألت أنا من له خبرة بالجبل المذكور : هل به أشجار الزيتون ؟ فأخبرني أنه لم ير به شيئاً منها، وإنما رآها فيما حوله في قرار الأرض، وهي كثيرة وزيتونها مع كبره أطيب من غيره، فإن كان ذلك كذلك فهو أغرب مما لو كانت به، لأنه لعلوه أبرد مما سفل من الأرض، فهو بها أولى، وظهر لي - والله أعلم - أن حكمه تقدير الله تعالى أن يكون عدد الدرج ما ذكر موافقة زمان الإيجاد الأول لمكان البقاء الول، وذلك أن الله تعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام وهو الإيجاد الأول، وكلم موسى عليه الصلاة والسلام، وكتب له
١٩٢
الألواح في هذا الجبل، ثم أتم له التوراة وهي أعظم الكتب بعد القرآن، وبالكتب السماوية والشرائع الربانية انتظام البقاء الأول، كما سلف في الفاتحة والأنعام والكهف.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٩١
ولما ذكر سبحانه إنشاء هذه الشجرة بهذا الجبل البعيد عن مياه ابحار لعلوه وصلابته أو بما حوله من الأرض الحارة، ذكر تميزها عن عامة الأشجار بوجه آخر عجيب فقال :﴿تنبت﴾ أي بالماء الذي لا دهن فيه أصلاً، نباتاً على قراءة الجمهور، أو إنباتاً على قراءة ابن كثير وأبي عمرو وورش عن يعقوب بضم الفوقانية، ملتبساً ثمره ﴿بالدهن﴾ وهو في الأصل مائع لزج خفيف يتقطع ولا يختلط بالماء الذي هو أصله فيسرج ويدهن به، وكأنه عرّفه لأنه أجلّ الأدهان وأكملها.