ولما كلن المأكول منها الدهن والزيتون قبل العصر، عطف إشعاراً بالتمكن فقال :﴿وصبغ﴾ أي وتنبت بشيء يصبغ - أي يلون - الخبز إذا غمس فيه أو أكل به ﴿للآكلين *﴾ وكأنه نكره لأن في الإدام ما هو أشرف منه وألذ وإن كانت بركته مشهورة ؛ روى الإمام أحمد عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي الأنصاري رضي الله عنه قالك قال رسول الله ﷺ :" كلوا الزين وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة ".
وللترميذي وابن ماجه عبد بن حميد في مسنده وتفسيره كما نقاه ابن كثير عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال :" ائتدموا بالزيت وادهنوا به فإنه يخرج من شجرة مباركة ".
وقال ابو حيان : وخص هذه الأنواع الثلاثة من النخل والعنب والزيتون لأنها أكرم الشجر وأجمعها للمنافع.
ولما دل سبحانه وتعالى على قدرته بما أحيا بالماء حياة قاصرة عن الروح، أتبعه ما أفاض عليه به حياة كاملة فقال :﴿وإن لكم في الأنعام﴾ وهي الإبل والبقر والغنم ﴿لعبرة﴾ يعبرون بها من ظاهر أمرها إلى باطنه مما له سبحانه فيها من القدرة التامة على البعث وغيره ؛ ثم استأنف تفصيل ما فيها م العبرة قائلاً :﴿نسقيكم﴾ ولما كان الأنعام مفرداً لكونه اسم جمع، ولم يذكر ما يسقى منه، أنث الضمير بحسب المعنى وعلم أن
١٩٣
المراد ما يكون منه اللبن خاصة وهو الإناث، فهو استخدام لأنه لو أريد جميع ما يقع عليه الاسم لذكر الضمير، فلذلك قالك ﴿مما في بطونها﴾ أي نجعله لكم شراباً نافعاً للبدن موافقاً للشهوة تلتذون به خروجه من بين الفرث والدم كما مضى في النحل ﴿ولكم فيها﴾ باستسلامها لما يراد منها مما لا يتيسر من أصغر منها، وبأولادها وأصوفها وأوبارها، وغير ذلك من آثارها.