ولما كان التقدير : فلقد حملنا نوحاً ومن أردنا ممن آمن به من أولاده وأهله وغيرهم على الفلك، وأغرقنا من عانده من أهل الأرض قاطبة بقدرتنا، نصرناه عليهم بعد ضعفه عنهم بأيدينا وقوتنا، وجعلناه وذريته هم الوارثين، وكنتم ذرية في أصلابهم، وكثرناهم حتى ملأنا منهم الأرض، دلالة على ما قدمناه من تفردنا كما أجرينا عادة هذا الكتاب الكريم بذكر عظيم البطش بعد أدلة التوحيد، واتبعناه بعده الرسل الذين سمعتم بهم، وعرفتم بعض أخبارهم، يا من أنكر الآن رسالة البشر لإنكار رسالة هذا النبي الكريم! عطف عليه يهدد بإهلاك الماضين، للرجوع عن الكفر، ويذكر بنعمة النجاة للإقبال على الشكر، ويسلي هذا النبي الكريم ومن معه م نالمؤمنين لمن كذب قبله من النبيين وأوذي من أتباعهم، ويدل على أنه يفضل من عباده من يشاء بالرسالة، كما فضل
١٩٤
طينة الإنسان على سائر الطين، وعلى أن الفالح بالإرث والحياة الطيبة في الدارين مخصوص لالمؤمنين كما ذكر أول السورة، فذكر نوحاً لأن قصته أشهر القصص، ولأن قومه كانوا ملء الأرض، ولم تغن عنهم كثرتهم ولا نفعتهم قوتهم، ولأنه الأب الثاني بعد الأب الأول المشار إليه بالطين، ولأن نجاته ونجاة المؤمنين معه كانت بالفلك المختوم به الآية قبله، فقال :﴿ولقد ارسلنا﴾ إشارة بصيغة العظمة إلى زيادة التسلية بأنه " آتاه من الآيات ما مثله آمن عليه البشر " وقاخ هو ﷺ بذلك حق القيام ﴿نوحاً﴾ أي وهو الأب الثاني بعد آدم عليهما السلام ﴿إلى قومه﴾ وهم جميع أهل الأرض لتواصل ما بينهم لكونهم على لغة واحدة ﴿فقال﴾ أي فتسبب عن ذلك أن قال :﴿يا قوم﴾ ترفقاً بهم ﴿اعبدوا الله﴾ أي ا لملك الأعظم الذي لا كفوء له، وحده، لأنه إلهكم وحده لاستحقاقه لجميع خلال الكمال ؛ واستأنف على سبيل التعليل قوله :﴿ما لكم﴾ وأغْرق في النفي بما هو حق ا لعبادة فقال :﴿من إله﴾ أى معبود بحق ﴿غيره﴾ فلا تعبدوا سواه.


الصفحة التالية
Icon