ولما كان الإبلاغ في التسلية، عدي الفعل بـ " في " دلالة على أنه عمهم بالإبلاغ كما يعم المظروف الظرف، حتر لم يدع واحد منهم إلا أبلغ في أمره فقال :﴿فيهم رسولاً منهم﴾ فكان القياس يقتضي مبادرتهم لاتباعه لعلمهم بما حل بمن قبلهم لأجل التكذيب، ولمعرفتهم غاية المعرفة لكون النبي منهم، بما جعلناه عليه المحاسن، وما زيناه به من الفضائل، ولأن عزه عزهم، ولدعائه لهم إلى ما لا يخفى حسنه على عاقل، ولا يأباه منصف ؛ ثم بين ماأرسل به بقوله :﴿أن اعبدوا الله﴾ أي وحده لأنه لا مكافىء له، ولذا حفظ اسمه فكان لا سمي له ؛ ثم علل ذلك بقوله :﴿ما لكم﴾ ودل على الاستغراق بقوله :﴿من إله غيره﴾.
ولما كانت المثلات قد دخلت من قبلهم في المكذبين، وأناخت صروفها بالظالمين، فتسبب عن عملهم بذلك إنكار قلة مبالاتهم في عدم تحرزهم من مثل مصارعهمن قال :﴿أفلا تتقون*﴾ أي تجعلون لكم وقاية مما ينبغي الخوف منه فتجعلوا وقاية تحول بينكم وبين سخط الله.
١٩٨
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٩٧
ولما كان التقدير : فلم يؤمنوا ولم يتقوا داب قوم نوح، عطف عليه قوله :﴿وقال الملأ﴾ أي الإشراف الذين تملأ رؤيتهم الصدور، فكأن ما اقترن بالواو أعظم في التسلية مما خلا منها على تقدير سؤال لدلالة هذا على ما عطف عليه.
ولما كانت القبائل قد تفرغت بتفرق الألسن، قدم قوله :﴿من قومه﴾ اهتماماً وتخصيصاً للإبلاغ في التسلية ولأنه لو أخر لكان بعد تمام الصلة وهي طويلة ؛ ثم بين الملأ بقوله :﴿الذين كفروا﴾ أي غطوا ما يعرفون من أدلة التوحيد والانتقام من المشركين ﴿وكذبوا بلقاء الآخرة﴾ لتكذيبهم بالبعث.