ولما كان من لازم الشرف الترف، صرح به إشارة إلى أنه - لظن كونه سعادة في الدنيا - قاطع في الغالب عن سعادة الآخرة، لكونه حاملاً على الأشر والبطر والتكبر حتى على المنعم، فقال :﴿وأترفناهم﴾ أي والحال أنا - بما لنا وعلى ما لنا من العظمة - نعمناهم ﴿في ا لحياة الدنيا﴾ أى الدانية الدنيئة، بالأموال والأولاد وكثرة السرور، يخاطبون أتباعهم :﴿ما هذا﴾ أشاروا إليه تحقيراً له عند المخاطبين ﴿إلا بشر مثلكم﴾ أي في الخلق والحال ؛ ثم وصفوه بما يوهم المساواة في كل وصف فقالوا :﴿يأكل مما تأكلون منه﴾ من طعام الدنيا ﴿ويشرب مما تشربون*﴾ أي منه من شرابها فكيف يكون رسولاً دونكم! ولما كان التقدير : فلئن اتبعتموه إنكم لضالون، عطف عليه :﴿ولئن أطعتم بشراً مثلكم﴾ في جميع ما ترون ﴿إنكم إذاً﴾ أى إذا أطعتموه ﴿لخاسرون*﴾ أى مغبونون لكونكم فضلتم مثلكم عليكم بما يدعيه مما نحن له منكرون ؛ ثم بينوا إنكارهم بقولهم :﴿أيعدكم أنكم إذا متم﴾ ففارقت أرواحكم أجسادكم ﴿وكنتم﴾ أي وكانت أجسادكم ﴿تراباً﴾ باستيلاء التراب على مادون عظامها ﴿وعظاماً﴾ مجردة ؛ ثم بين الموعود به بعد أن حرك النفوس إليه، وبعث بما قدمه أتم بعث عليه، فقال مبدلاً من ﴿أنكم﴾ الأولى إيضاحاً للمعنى :﴿أنكم مخرجون*﴾ أى من تلك الحالة التي صرتم إليها، فراجعون إلى ما كنتم عليه من الحياة على ما كان لكم من الأجسام ؛ ثم استأنفوا التصريح بما دل عليه الكلام من استبعادهم ذلك فقالوا :﴿هيهات هيهات﴾ أى بعد بعد جداً بحيث صار ممتنعاً، ولم يرفع ما بعده به بل قطع عنه تفخيماً له، فكان كأنه قيل : لي شيء هذا الاستبعاد ؟ فقيل :﴿لما توعدون*﴾.
١٩٩
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٩٩