ولما كانوا بهذا التأكيد في التبعيد كأنهم قالوا : إنا لا نبعث أصلاً، اتصل به :﴿إن هي﴾ أي الحالة التي لا يمكن لنا سواها ﴿إلا حياتنا الدنيا﴾ أي التي هي أقرب الأشياء إلينا وهي ما نحن فيها، ثم فسروها بقولهم :﴿نموت ونحيا﴾ أي يموت منا من هو موجود، وينشأ آخرون بعدهم ﴿وما نحن بمبعوثين*﴾ بعد الموت، فكأنه قيل : فما هذا الكلام الذي يقوله ؟ فقيل : كذب ؛ ثم حصروا أمره في الكذب فقالوا :﴿إن﴾ أي ما ﴿هو إلا﴾ وألهبوه على ترك مثل ما خاطبهم به بقولهم :﴿رجل افترى﴾ أي تعمد ﴿على الله﴾ أى الملك الأعلى ﴿كذباً﴾ والرجل لا ينبغي مثل ذلك، أو هو واحد وحده، أي لا يلتفت إليه ﴿وما نحن له بؤمنين*﴾ أي بمصدقين فيما يخبرنا به من البعث والرسالة ؛ ثم استانف قوله :﴿قال رب﴾ أى أيها المحسن إليّ بإرسالي إليهم وغيره من أنواع التربية ﴿انصرني﴾ 'ليهم أي أوقع لي النصر ﴿بما كذبون*﴾ فأجابه ربه بأن ﴿قال عما قليل﴾ أى من الزمن.
وأكد قلته بزيادة " ما " ﴿ليصبحن نادمين*﴾ على تخلفهم عن اتباعك.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٩٩
ولما تسبب عن دعائه أن تعقب هلاكهم، وعد الله له بذلك، قال تعالى :﴿فأخذتهم الصيحة﴾ أي التي كأنها لقوتها لا صحية إلا هي، ويمكن أن تكون على بابها فتكون صيحة جبرئيل عليه الصلاة والسلام ويكون القوم ثمود، ويمكن أنت تكون مجازاً عن العذاب الهائل ﴿بالحق﴾ أي بالأمر الثابت من العذاب الذي أوجب لهم الذي لا تمكن مدافعته لهم ولا لأحد غير الله، ولا يكون كذلك إلا وهو عدل ﴿فجعلناهم﴾ بعظمتنا التي لا تدانيها عظمة، بسبب الصيحة ﴿غثاء﴾ كأنهم أعجاز نخل خاوية، جاثمين أمواتاً يطرحون كما يطرح الغثاء، وهو ما يحمله السيل من نبات ونحوه فيسود ويبلى فيصير بحيث لا ينتفع به، ونجينا رسولهم ومن معه من المؤمنين، فخاف الكافرون، وأفلح المؤمنون، وكانوا هم الوارثين للأرض من بعدهم.