ولما كان هلاكهم على هذا الوجه سبباً لهوانهم، عبر عنه بقوله :﴿فبعداً﴾ أي
٢٠٠
هلاكاً وطرداً.
ولما كان كأنه قيلك لمن ؟ قيل : لهم! ولكنه أظهر الضمير تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف تحذيراً لكل من تلبس به فقال :﴿للقوم﴾ أى الأقوياء الذي لا عذر لهم في التخلف عن اتباع الرسل والمدافعة عنهم ﴿الظالمين*﴾ الذين وضعوا قوتهم التي كان يجب عليهم بذلها في نصر الرسل في خذلانهم.
ولما كانت عادة المكذبين أن يقولوا تكذيباً : هذا تعريض لنا بالهلاك، فصرَّح ولا تدع جهداً في إحلاله بنا والتعجيل به إلينا، فإنا لا ندع ما نحن عليه لشيء، وكان العرب أيضاً قد ادعوا أن العادة بموتهم وإنشاء من بعدهم شيئاً فشيئاً لا تنخرم، قال تعالى رادعاً لهم :﴿ثم أنشأنا﴾ أي بعظمتنا التي لا يضرها تقديم ولا تأخير، وأثبت الجار لما تقدم فقال :﴿من بعدهم﴾ أي من بعد من قدمنا ذكره من نوح والقرن الذي بعده ﴿قروناً آخرين﴾ ثم أخبر بأنه لم يعجل على أحد منهم قبل الأجل الذي حده له بقوله :﴿ما تسبق﴾ ولعله عبر بالمضارع إشارة إلى أنه ما كان شيء من ذلك ولا يكون، وأشار إلى الاستغراق بقوله :﴿من أمة أجلها﴾ أي الذي قدرناه لهلاكها ﴿وما يستأخرون*﴾ عنه، وكلهم أسفرت عاقبته عن خيبة المكذبين وإفلاح المصدقين، وجعلهم بعدهم الوارثين، وعكس هذا الترتيب في غيرها من الآيات فقدم الاستئخار لنه فرض هناك مجيء الأجل فلا يكون حينئذ نظر إلا إلى التأخير.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٠٠