وفيه مما لا يجوز إطلاقه في شرعنا : الأب - كما تقدم غير مرة.
ولما بين أن عيسى عليه السلام على منهاج إخوانه من الرسل في الأكل والعبادة، وجميع الأحوال، زاد ي تحقيق ذلك بياتاً لمن ضل بأن اعتقد فيه ما لا يليق به، فقال مخاطباً لجميعهم بعد إهلاك من عاندهم من قومهم على وجه يشمل ما قبل ذلك رداً لمن جعله موجباً لإنكار الرسالة، وتبكيتاً لمن ابتدع الرهبانية من أمة عيسى عليه السلام، إعلاماً بأن كل رسول قيل له معنى هذا الكلام فعمل به، فكانوا كأنهم نودوا به في وقت واحد، فعبر بالجمع ليكون أفخم له فيكون أدعى لقبوله :﴿يا أيها الرسل﴾ من عيسى وغيره ﴿كلوا﴾ أنتم ومن نجيناه معكم بعد إهلاك المكذبين.
ولما علو عن رتبة الناس، فلم يكونوا أرضيين، لم يقل ﴿مما في الأرض﴾ [البقرة : ١٦٨] وعن رتبة الذين آمنوا، لم يقل ﴿من طيبات ما رزقناكم﴾ [البقرة : ١٧٢] ليكنوا عابدين نظراً إلى النعمة أو حذراً من النقمة، كما مضى بيانه في سورة البقرةن بل قال :﴿من الطيبات﴾ أي الكالملة اليت مننت عليكم بخلقها لكم وإحلالها وإزالة الشبه
٢٠٦
عنها وجعلها شهية للطبع، نافعة للبدن، منعشة للروح، وذلك ما كان حلاًّ غير مستقذر لقوله تعالى ﴿يحل لكم الطيبات ويحرم عليكم الخبائث﴾ [الأعراف : ١٥٧].
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٠٣
ودل سبحانه على أن الحلال عون على الطاعة بقوله :﴿واعملوا صالحاً﴾ أي سراً وجهراً غير خائفين من أحد، فقد أهلكت عدوكم وأورثتكم أرضكم، ولم يقيد عملكم بشكر ولا غيره، إشارة إلى أنه لوجهه ليس غير، فإنهم دائماً في مقام الشهود، في حضرة ا لمعبود، والهنى عن كل سوى حتى عن الغنى، ثم حثهم على دوام المراقبة بقوله :﴿إني بما﴾ أي بكل شيء ﴿تعملون عليم*﴾ أي بالغ العلم.