ولما كان الموجب لغرورهم ظنهم أن حالهم - في بسط الأرزاق من الأموال والأولاد - حال الموعود لا المتوعد، أنكر ذلك عليهم تنبيهاً لمن سبقت له السعادة، وكتبت له الحسنى وزيادة، فقال :﴿أيحسبون﴾ أي لضعف عقولهم ﴿أنما﴾ أي الذين ﴿نمدهم﴾ على عظمتنا ﴿به﴾ أي نجعله مدداً لهم ﴿من مال﴾ نسيره لهم ﴿وبنين*﴾ نمتعهم بهم، ثم أخبر عن " أن " بدليل قراءة السلمي بالياء التحتية فقال :﴿نسارع لهم﴾ أي به بإدرارنا له عليهم في سرعة من يباري آخر ﴿في الخيرات﴾ التي لا خيرات غلا هي لأنها محمودة العاقبة، ليس كذلك بل هو وبال عليهم لأ، ه استدراج إلى الهلاك لأنهم غير عاملين بما يرضي الرحمن ﴿بل﴾ هم يسارعون في أسباب الشرور، ولا يكون عن السبب إلا مسببه، ولكنهم كالبهائم ﴿لا يشعرون*﴾ أنهم في غاية البعد عن الخيرات ﴿سنستدرجهم من حيث لا يعلمون﴾ [القلم : ٤٤].
٢٠٨
ولما ذكر أهل الافتراق، أبتبعهم أهل النفاق، فكان كأنه قيل : فمن الذي يكون له الخيرات ؟ فأجيب بأنه الخائف من الله، فقيل معبراً بما يناسب أول السورة من الأوصاف، بادئاً بالخشية لأنها الحاملة على تجديد الإيمان :﴿إن الذين هم﴾ أى ببواطنهم ﴿من خشية ربهم﴾ أى الخوف العظيم من المحسن إليهم المنعم عليهم ﴿مشفقون*﴾ أي دائمو الحذر ﴿والذين هم بىيات ربهم﴾ المسوعة والمرئية، لا ما كان من جهة غيره ﴿يؤمنون*﴾ لا يزال إيمانهم بها يتجدد شكراً لإحسانه إليهم.
ولما كان المؤمن قد يعرض له ما تقدم في إيمانه من شرك جلي أو خفي، قال :﴿والذين هم بربهم﴾ أى الذي لا محسن إليهم غيره وحده ﴿لا يشركون*﴾ أي شيئاً من شرك في وقت من الأوقات كما لم يشركه في إحسانه إليهم أحد.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٠٧


الصفحة التالية
Icon