ولما ثبت لهم الإيمان الخالص، نفى عنهم العجب بقوله :﴿والذين يؤتون ما آتوا﴾ أي يعطون ما أعطوا من الطاعاتن وكذا قراءة يحيى بن الحارث وغيره : يأتون ما أتوا، أي يفعلون ما فعلوا من أعمال البر لتتفق القراءتان في الإخبار عنهم بالسبق ؛ ثم ذكر حالهم فقال :﴿وقلبهم وجلة﴾ أي شديدة الخوف، قد ولج في دخولها وجال في كل جزء منها لأنهم عالمون بأنهم لا يقدرون الله حق قدره وإن اجتهدوا، ثم علل ذلك بقوله :﴿إنهم إلى ربهم﴾ أى الذي طال إحشانه إليهم ﴿راجعون*﴾ بالبعث فيحاسبهم على النقير والقطمير، ويجزيهم بكل قليل وكثير وهو النافذ البصير، قال الحسن البصري : إن المؤمن حمع إيماناً وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمناً.
ثم اثبت لهم ما أفهم أن ضده لأضدادهم فقال :﴿أولئك﴾ أى خاصة ﴿يسارعون﴾ أى يسبقون سبق من يساجل آخر ﴿في الخيرات﴾ فأفهم ذلك ضد ما ذكر لأضدادهم بقوله :﴿وهم لها﴾ أي إليها خاصة، أي إلى ثمراتها، ولكنه عبر باللام إشارة إلى زيادة القرب منها والوصول إليها مع الأمن لجعل الخيرات ظرفاً للمسارعة من أخذها على حقيقتها للتعدية ﴿سابقون*﴾ لجميع الناس، لأنا نحن نسارع لهم في المسببات أعظم من مسارعتهم في الأسباب، ويجوز أن يكون ﴿سابقون﴾ بمعنى : عالين، من وادي "سبقت رحمتي غضبي"
٢٠٩
أي أنهم مطيقون لها ومعانون عليها ﴿ولا﴾ أي والحال أنا لا نكلفهم ولكنه عم فقال :﴿نكلف نفساً﴾ أي كافرة ومؤمنة ﴿إلا وسعها﴾ فلا يقدر عاص على أن يقول : كنت غير قادر على الطاعة، ولا يظن بنا مؤمن أنا نؤاخذه بالزلة والهفوة، فإن أحداً لا يستطيع أ، يقدرنا حق قدرنا لأن مبنى المخلوق على العجز.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٠٩