ولما كانت الأعمال إذا تكاثرت وامتد زمنها تعسر أو تعذر حصرها إلا بالكتابة عامل العباد سبحانه بما يعرفون مع غناه عن ذلك فقال :﴿ولدينا﴾ أى عندنا على وجه هو أغرب الغريب ﴿كتاب﴾ وعبر عن كونه سبباً للعلم بقوله :﴿ينطق﴾ بما كتب فيه ن أعمال العباد من خير وشر صغير وكبير ﴿بالحق﴾ أى الثابت الذي يطابقه الواقع، قد كتب فيه أعمالهم من قبل خلقهم، لا زيادة فيها ولا نقص، تعرض الحفظة كل يوم عليه ما كتبوه مما شاهدوه بتحقيق القدر له فيجدونه محرراً بمقاديره وأقاته وجميع أحواله قيزدادون به إيماناً، ومن حقيته أنه لا يستطاع إنكار شيء منه.
ولما أفهم ذلك نفي الظلم، صرح به فقال :﴿وهم﴾ أى الخلق كلهم ﴿لا يظلمون*﴾ من ا لظالم ما بزيادة ولا نقص في عمل ولا جزاء.
ولما كان التقدير : ولكنهم بذلك لا يعلمون، قال ﴿بل قلوبهم﴾ أي الكفرة من الخلق ؛ ويجوز أن يكون هذا الإضراب بدلاً من قوله ﴿بل لا يشعرون﴾ ﴿في غمرة﴾ أي جهالة قد أغرقتها ﴿من هذا﴾ أي الذي أخبرنا به من الكتاب الحفيظ فهم به كافرون ﴿ولهم أعمال﴾ وأثبت الجار إشارة إلى أنه لا عمل لهم يستغرق الدون فقال :﴿من دون ذلك﴾ أى مبتدئة من أدنى رتبة التكذيب من سائر المعاصي لأجل تكذيبهم بالكتاب المستلزم لتكذيبهم بالبعث المستلزم لعدم الخوف المستلزم للإقدام على كل معضلة ﴿هم لها﴾ أى دائماُ ﴿عاملون*﴾ لا شيء يكفهم عجزهم عنها.