التوحيد والأحكام، ولقد أوضح ذلك تحديهم بهذا الكتاب فعجزوا فهو بحيث لا يجهله منصف ﴿وأكثرهم﴾ أي والحال أن أكثرهم ﴿للحق كارهون*﴾ متابعة للأهواء الرديئة والشهوات البهيمية عناداً، وبعضهم، يتركونه جهلاً وتقليداً أو خوفاً من أن يقال : صبأ، وبعضهم يتبعه توفيقاً من الله وتأييداً.
ولما كان ربما قيل : ما له ما كان بحسب أهوائهم فكانوا يتبعونه ويستريح ويستريحون من هذه المخالفات، التي جرت إلى المشاحنات، فأوجبت أعظم المقاطعات، قال مبيناً فساد ذلك، ولعله حال من فاعل كاره، فإن جزاءه خبري مسوغ لكونه حالاً كما ذكره الشيخ سعد الدين في بحث المسند، أو هو معطوف على ما تقديره : فلو تركوا الكره لأحبوه ولو أحبوه لأتبعوه ولو اتبعوه لانصلحوا وأصلحوا ﴿ولو اتبع الحق﴾ أي في الأصول والفروع والأحوال والأقوال ﴿أهواءهم﴾ أي شهواتهم التي تهوي بهم لكونها أهواء - بما أشار غليه الافتعال ﴿لفسدت السماوات﴾ على علوها وإحكامها ﴿والأرض﴾ على كثافتها وانتظامها ﴿ومن فيهن﴾ على كثرتهم وانتشارهم وقوتهم، بسبب ادعائهم تعدد الآلهة، ولو كان ذلك حقاً لأدى ببرهان التمانع إلى الفساد، وبسبب اختلاف أهوائهم واضطرابها المفضي إلى النزاع كما ترى من الفساد عند اتباع بعض الأغراض في بعض الأزمان إلى أن يصلحها الحق بحكمته، ويقمعها بهيبته وسطوته، ولكنا لم نتبع الحق أهواءهم ﴿بل أتيناهم﴾ بعظمتنا ﴿بذكرهم﴾ وهو الكتاب الذي في غاية الحكمة، ففيه صلاح العلم وتمام انتظامه، فإذا تأمله الجاهل صده عن جهله فسعد في أقواله وأفعاله، وبان له الخير في سائر احواله، وإذا تدبره العالم عرج به إلى نهاية كماله، فحينئذ يأتي السؤال عمن أنزله، فتخضع الرقاب، وعمن أنزل عليه فيعظم في الصدور، وعن قومه فتجلهم النفوس، وتنكس لمهابتهم الرؤوس، فيكون لهم أعظم ذكر وأعلى شرف.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢١١