ولما جعلوا ما يوجب الإقبال سبباً للإدبار، قال معجباً منهم :﴿فهم عن ذكرهم﴾ أي الذي هو شرفهم ﴿معرضون*﴾ لا يفوتنا بإعراضهم مراد، ولا يلحقنا به ضرر، إنما ضرره عائد إليهم، وراجع في كل حال عليهم.
ولما أبطل تعالى وجوه طعنهم في المرسل به والمرسل من جهة جهلهم مرة، ومن جهة ادعائهم البطلان أخرى، نبههم على وجه آخر هم أعرف الناس ببطلانه ليثبت المدعى من الصحة إذا انتفت وجوه المطاعن فقال منكراً :﴿أم تسألهم﴾ أي على ما جئتهم به ﴿خرجاً﴾ قال البغوي : أجراً وجعلاً، وقال ابن مكتوم في الجمع بين العباب والمحكم : والخرج والخراج شيء يخرجه القوم في السنة من مالهم بقدر معلوم،
٢١٣
والخراج غلبة العبد والأمة، وقال الزجاج : الخراج : الفيء، والخرج : الضريبة والجزية، وقال الأصبهاني : شئل أبو عمرو بن العلاء فقال : الخراج ما لزمك ووجب عليك أداؤه، والخرج ما تبرعت به من غير وجوب.
ولما كان الإنكار معناه النفي، حسن موقع فاء السبب في قوله :﴿فخراج﴾ أي أم تسألهم ذلك ليكون سؤالك سبباً لاتهامك وعدم سؤالك، بسبب أن خراج ﴿ربك﴾ الذي لم تقصد غيره قط ولم تخل عن بابه وقتاً ما ﴿خير﴾ من خراجهم، لأن خراجه غير مقطوع ولا ممنوع عن أحد من عباده المسيئين فكيف بالمحسنين! وكأنه سماه خراجاً إشارة إلى أنه أوجب رزق كل أحد على نفسه بوعد لا خلف فيه ﴿وهو خير الرازقين*﴾ فإنه يعلم ما يصلح كل مرزوق وما يفسده، فيعطيه على حسب ما يعلم منه ولا يحوجه إلى سؤال.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢١١