ولما كانت عظمة الملك مقتضية لتقبل ما أتى به والتشرف به على أيّ حال كان، نبه على أنه حق يكسب قبوله الشرف لو لم يكن من عند الملك فكيف إذا كان من عنده، فكيف إذا كان ملك الملوك ومالك الملك فكيف غذا كان الآتي به خالصة العباد وأشرف الخلق، كما قام عليه الدليل بنفي هذه المطاعن كلها، فقال عاطفاً على ﴿آتيناهم﴾ :﴿وإنك﴾ أي مع انتفاء هذه المطاعن كلها ﴿لتدعوهم﴾ أي بهذا الذكر مع ما قدمنا من الوجوه الداعية إلى اتباعك بانتفاء جميع المطاعن عنك وعما جئت به ﴿إلى صراط مستقيم*﴾ لا عوج فيه ولا طعن أصلاً كما تشهد به العقول الصحيحة، فمن سلكه أوصله إلى الغرض فجاز كل شرف، والحال أنهم، ولكنه عبر بالوصف الحامل لهم على العمى فقال :﴿وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة﴾ فلذلك لا يخشون القصاص فيها ﴿على الصراط﴾ أي الذي لا صراط غيره لأنه لا موصل إلى القصد غيره ﴿لناكبون*﴾ أي عادلون منتحون مائلون منحرفون في سائر أحوالهم سائرون على غير منهج اصلاً، بل خبط عشواء لأنه يجوز أن يراد مطلق الصراط وأن يراد النكرة الموصوفة بالاستقامة.
ولما وصفوا بالميل، وكان ربما قال قائل : إن جؤارهم المذكور آنفاً سلوك في الصراط، بين أنه لا اعتداد به لعروضه فقال :﴿ولو رحمناهم﴾ أى عاملناهم معاملة
٢١٤
المرحوم في إزالة ضرره هو معنى ﴿وكشفنا﴾ أى بما من العظمة ﴿ما بهم من ضر﴾ وهو الذي عرض جؤارهم بسببه ﴿لَلَجّوا﴾ أي تمادوا تمادياً عظيماً ﴿في ظغيانهم﴾ الذي كانوا عليه قبل الجؤار وهو إفراطهم في منابذة الحق والاستقامة ﴿يعمهون*﴾ أي يفعلون من التحير والتردد فعل من لا بصيرة له في السير النحرف عن القصد، والجائر عن الاستقامة، قال ابن كثير : فهذا من باب علمه بما لا يكون لو كان كيف كان يكون، قال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : كل ما فيه " لو " فهو مما لا يكون أبداً.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢١٤


الصفحة التالية
Icon