ثم أتبع هذا الدليل تأييداً له ما يدل على أنهم لا يسلكون الصراط غلا اضطراراً فقال :﴿ولقد أخذناهم﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿بالعذاب﴾ أي بمطلقه كإظهار حزب الله عليهم في بدر وغيرها ﴿فما استكانوا﴾ أي خضعوا خضوعاً هو كالجبلة لهم ﴿لربهم﴾ المحسن إليهم عقب المحنة، وحقيقته ما طلبوا أن يكونوا له ليكرموا مقام العبودية من الذب والخضوع والانقياد لأموامره تاركين حظوظ أنفسهم، والحاصل أنه لما ضربهم بالعذاب كان من حقهم أن يكونوا له لا لشركائهم، فما عملوا بمقتضى ذلك إيجاداً ولا طلباً ﴿وما يتضرعون*﴾ أى يجددون الدعاء بالخضوع والذل والخشوع في كل وقت بحيث يكون لهم عادة، بل هم على ما جلبوا عليه من الاستكبار والعتو إلا إذا التقت حلقتا البطان، على عتوهم ﴿حتر إذا فتحنا﴾ أي بما لنا من العظمة، ودل على أنه فتح عذاب فقال :﴿عليهم باباً﴾ من الأبواب التي نقهر بها من شئنا بحيث يعلوه أمرها ولا يستطيع دفعها ﴿ذا عذاب شديد﴾ يعني القتل والأسر يوم بدر - قاله ابن عباس رضي الله عنهما، أو القحط الذي سلطه عليهم غجابة لدعوة النبي ﷺ في قوله :"اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف" ﴿إذا هم فيه﴾ أي ذلك الباب مظرفون لا يقدرون منه على نوع خلاص ﴿مبلسون*﴾ أي متحيزون ساكنون على ما في أنفسهم آئسون لا يقدرون أن ينطقوا بكلمة، داخلون في الإبلاس وهو عدم الخير، متأهلون لسكنى " بولس " وهو سجن جهنم، لعدم جعلهم التضرع وصفاً لهم لازماً غير عارض، والخوف من الله شعاراً دائماً غير مفارق، استحضاراً لقدرته واستكباراً لعظمته ؛ ثم التفت إلى خطابهم، استعطافاً بعتابهم، لأنه عند التذكير بعذابهم أقرب إلى إيابهم، فقال :﴿وهو﴾ أي ما استكانوا لربهم والحال أنه هو لا غيره ﴿الذي أنشأ لكم﴾ يا من يكذب بالآخرة، على غير مثال سبق ﴿السمع والأبصار﴾ ولعله جمعها لأن التفاوت فيها أكثر من التفاوت في السمع ﴿والأفئدة﴾ التي هي مراكز العقول، فكنتم بها أعلى من


الصفحة التالية
Icon