ولما كانت حقيقة البعث إيجاد الشيء كما هو بعد إعدامه، ذكرهم بأمر طالما لا بسوه وعالجوه ومارسوه فقال :﴿وله﴾ أى وحده، لا لغيره ﴿اختلاف الليل والنهار﴾ أي التصرف فيهما على هذا الوجه، يوجد كلاًّ منهما بعد أن أعدمه كما كان سواء، فدل تعاقبهما على تغيرهما، وتغيرهما بذلك وبالزيادة والنقص على أن لهما مغيراً لا يتغير وأنه لا فعل لهما وإنما الفعل له وحده، وأنه قادر على إعادة المعدوم كما قدر على ابتدائه بما دل على قدرته وبهذا الدليي الشهودي للحامدين، ولذلك ختمه بقوله منكراً تسبيبَ ذلك لعدم عقلهم :﴿أفلا تعقلون*﴾ أى يون لكم عقول لتعرفوا ذلك فتعملوا بما تقتضيه من اعتقاد البعث الذي يوجب سلوك الصراط.
٢١٦
ولما كان معنى الاستفهام الإنكاري النفي، حسن بعده كل الحسن قوله :﴿بل﴾ وعدل إلى أسلوب الغيبة للإيذان بالغضب بقوله :﴿قالوا﴾ أي هؤلاء العرب ﴿مثل ما قال الأولون*﴾ من قوم ومن بعده ؛ ثم استأنف قوله :﴿قالوا﴾ أى منكرين للبعث متعجبين من أمره :﴿أإذا متنا وكنا﴾ أي بالبلى بعد الموت ﴿تراباً وعظاماً﴾ نخرة، ثم أكدوا الإنكار بقولهم :﴿أإنا لمبعثون*﴾ أى من باعث ما.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢١٦
ولما كان محط العناية في هذه السورة الخلق ةالإيجاد، والتهديد لأهل العناد، حكى عنهم أنهم قالوا :﴿لقد وعدنا﴾ مقدماً قولهم :﴿نحن وآباؤنا﴾ على قولهم :﴿هذا﴾ أى البعث ﴿من قبل﴾ بخلاف النمل، فإن محط العناية فيها الإيمان بالآخرة فلذلك قدم قوله " هذا "، والمراد وعد آبائهم على ألسنة من أتاهم من الرسل غير أن الإخبار بشموله جعله وعداً للكل على حد سواء، ثم استأنفوا قولهم :﴿إن﴾ أى ما ﴿هذا إلا أساطير الولين*﴾ أي كذب لا حقيقة له، لأن ذلك معنى الإنكار المؤكد.