ولما أنكروا البعث هذا الإنكار المؤكد، ونفوه هذا النفي المحتم، أمره أن يقررهم بأشياء هم بها مقرون، ولها عارفون، يلزمهتم من تسليمها الإقرار بالبعث قطعاً، فقال :﴿قل﴾ أي مجيباً لإنكارهم البعث ملزماً لهم :﴿لمن الأرض﴾ أي على سعتها وكثرة عجائبها ﴿ومن فيها﴾ على كثرتهم واختلافهم ﴿إن كنتم﴾ أى بما هو كالجبلة لكم ﴿تعلمون*﴾ أي أهلاً للعلم، وكأنه تنبيه لهم على أنهم أنكروا شيئاً لا ينكره عاقل.
ولما كانوا مقربين بذلك، أخبر عن جابهم قبل جوابهمن ليكون من دلائل النبوة وأعلام الرسالة بقوله استئنافاً :﴿سيقولون﴾ أى قطعاً : ذلك كله ﴿لله﴾ أي المختص بصفات الكمال.
ولما كان ذلك دالاً على الوحدانية والتفرد بتمام القدرة من وجهين : كون ذلك كله له، وكونه يخبر عن عدوه بشيء فلا يمكنه التخلف عنه، قال :﴿قل﴾ أي لهم إذا قالوا ذلك منكراً عليهم تسبيبه لعدم تذكرهم ولو علة أدنى الوجوه بما أشار إليه الإدغام :﴿أفلا تتذكرون*﴾ أي بذلك المركوز في طباعكم المقطوع به عندكم، ما غفلتم عنه من تمام قدرته وباهر عظمته، فتصدقوا ما أخبر به من البعث الذي هو دون ذلك، وتعلموا أنه لا يصلح شيء منها - وهو ملكه - أن يكون شريكاً له ولا ولداً، وتعلموا أنه لا يصح في الحكمة أصلاً أنه يترك البعث لأن أقلكم لا يرضى بترك حساب عبيده والعدل بينهم.
ولما ذكرهم بالعالم السفلي لقربه، تلاه بالعالوي لأنه أعظم فقال على ذلك المنوال مرقياً لهم إليه :﴿قل من رب﴾ أي خالق ومدبر ﴿السماوات السبع﴾ كما تشاهدون من حركاتها وسير نجومها ﴿ورب العرش العظيم *﴾ الذي أنتم به معترفون ﴿سيقولون الله﴾
٢١٧
أي الذي له كل شيء وهو رب ذلك - على قراءة البصريين، والتقدير لغيرهما : ذلك كله لله، لأن معنى من رب الشيء : لمن الشيء، فتفيد اللام الملك صريحاً مع إفادة الرب التدبير.


الصفحة التالية
Icon