وهم المقصودون بالتهديد :﴿وإنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿على أن نريك﴾ أي قبل موتك ﴿ما نعدهم﴾ من العذاب ﴿لقادرون*﴾ ولما لاح من هذا أن أخذهم وتأخيرهم في الإمكان على حد سواء، وكانوا يقولون ويفعلون ما لا صبر عليه إلا بمعونة من الله، كان كأنه قال فماذا أفعل فيما تعلم من أمرهم ؟ فقال آمراً له بمداواته :﴿ادفع﴾ وفخم الأمر بالموصول لما فيه من الإيهام المشوق للبيان ثم بأفعل التفضيل فقال :﴿بالتي هي أحسن﴾ أي من الأقوال والأفعال بالصفح والمداراة ﴿السيئة﴾ ثم خفف عنه ما يجد من ثقلها بقوله :﴿نحن أعلم﴾ أي من كل عالم ﴿بما يصفون*﴾ في حقك وحقنا، فلو شئنا منعناهم منه أو عاجلناهم بالعذاب وليس أحد بأغير منا فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٢٠
ولما كان الصبر عليه لا يطاق إلا به سبحانه، أمره بالدعاء بذلك فقال :﴿وقل رب﴾ أيها المحسن إليّ ﴿أعوذ بك﴾ أي ألتجىء إليك ﴿من همزات الشياطين*﴾ أي أن يصلوا إليّ بوساوسهم التي هي كالنخس بالمهماز في الإقحام في السيئات البعد عن مطلق الحسنات، فكيف بالأحسن منها كما سلطتهم على الكافرين تؤزهم إلى القبائح أزاً ﴿وأعوذ بك رب﴾ أى أيها المربي لي ﴿أن يحضرون*﴾ أي ولو لم تصل إليّ وساوسهم فإن حضورهم هلكة، وبعدهم بركة، لأنهم مطبوعون على الفساد لا ينفكون عنه.


الصفحة التالية
Icon