ولما كان أضر أوقات حضورهم ساعة الموت، وحالة الفوت، فإنه وقت كشف الغطاء، عما كتب من القضاء، وآن اللقاء، وتحتم السفول أوالارتقاء، عقب ذلك بذكره تنبيهاً على بذل الجهد في الدعاء والتضرع للعصمة فيه فقال معلقاً بقوله تعالى :﴿بل لا يشعرون﴾ أو بمبلسون، منبهاً بحرف الغاية على انه سبحانه يمد في أزمانهم استدراجاً لهم :﴿حتى﴾ أو يكون التقدير كما يرشد إليه السياق : فلا أكون من ا لكافرين المطيعين للشياطين حتى ﴿إذا جاء﴾ وقدم المفعول ليذهب الوهم في فاعله كل مذهب فقال :﴿أحدهم الموت﴾ فكشف له الغطاء، وظهر له الحق، ولاحت له بوارق العذاب، ولم يبق في شيء من ذلك ارتياب ﴿قال﴾ مخاطباً لملائكة العذاب على عادة جهاه ووقوفه مع المحسوس دأب البهائم :﴿رب ارجعون*﴾ أي إلى الدنيا دار العلم ؛ ويجوزأن يكون الجمع لله تعالى وللملائكة، أو للتعظيم على عادة في مخاطبات الأكابر لا سيما الملوك، أو لقصد تكرير الفعل للتأكيد.
ولما كان في تلك الحالة على القطع من اليأس من النجاة لليأس من العمل لفوات داره مع وصوله إلى حد الغرغرة قال :﴿لعلي أعمل﴾ أي لأكون على رجاء من أن
٢٢١
أعمل ﴿صالحاً فيما تركت﴾ من الإيمان وتوابعه ؛ قال البغوي : قال قتادة : ما تمنى أن يرجع إلى أهله وعشيرته ولا ليجمع الدنيا ويقضي الشهوات، ولكن تمنى أن يرجع ليعمل بكاعة الله، فرحم الله امرأً عمل قيما يتمناه الكافر إذا رأى العذاب.
وقال ابن كثير : كان العلاء بن زياد يقول : اينزلن أحدكم نفسه أنه قد حضره المر=وت فاستقال ربه فأقاله فليعمل بطاعة الله عز وجل.
ولما كان القضاء قد قطع بأنه لا يرجع، ولو رجع لم يعمل قال ردعاً له ورداً لكلامه :﴿كلا﴾ أي لا يكون شيء من ذلك، فكأنه قيل : فما حكم ما قال ؟ فقال معرضاً عنه إيذاناً بالغضب :﴿إنها كلمة﴾ أي مقالته ﴿رب ارجعون﴾ - إلى آخره، كلمة ﴿هو قائلها﴾ وقد عرف من الخداع والكذب فهي كما عهد منه لا حقيقة لها.


الصفحة التالية
Icon