على كثرة الأعمال أو على عموم الوزن لكل فرد ﴿هم المفلحون*﴾ لأنهم المؤمنون الموصوفون ﴿ومن خفت موازينه﴾ لإعراضه عن تلك الأعمال المؤسسة على الإيمان ﴿فأولئك﴾ خاصة ﴿الذين خسروا أنفسهم﴾ لإهلاكهم إياها باتباعها شهواتها في دار الأعمال وشغلها بأهوائها عن مراتب الكمال ؛ ثم علل ذلك أو بينه بقوله :﴿في جهنم خالدون*﴾ وهي دار لا ينفك أسيرها، ولا ينطفىء سعيرها ؛ ثم استأنف قوله :﴿تلفح﴾ أي تغشى بشديد حرها وسمومها ووهجها ﴿وجوههم النار﴾ فتحرقها فما ظنك بغيرها ﴿وهم فيها كالحون*﴾ أي متقلصو الشفاه عن الأسنان مع عبوسة الوحوه وتجعدها وتقطبها شغل من هو ممتلىء الباطن كراهية لما دهمه من شدة المعاناة وعظيم المقاساة في دار التجهم، كما ترى الرؤس المشوية، ولا يناقض نفي التساؤل هنا إثباته في غيره لأنه في غير تناصر بل في التلاوم والتعاتب والتخاصم على أن المقامات في ذلك اليوم طويلة وكثيرة، فالمقالات والأحوال لأجل ذلك متباينة وكثيرة، وسيأتي عن ابن عباس رضي الله عنهما في سورة الصافات نحو ذلك.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٢٢
ولما جرت العادة بأن المعذب بالفعل يضم إليه القيل، أجيب من قد يسأل عن ذلك بقوله :﴿ألم﴾ أي يقال لهم في تأنيبهم وتوبيخهم : ألم ﴿تكن آياتي﴾ التي انتهى عظمها إلى أعلى المراتب بإضافتها إليّ.
ولما كان مجرد ذكرها كافياً في الإيمان، نبه على ذلك بالبناء للمفعول :﴿تتلى عليكم﴾ أي تتابع لكم قراءتها في الدنيا شيئاً فشيئاً.
ولما كانت سبباً للإيمان فجعلوها سبباً للكفران، قال :﴿فكنتم﴾ أي كوناً أنتم عريقون فيه ﴿بها تكذبون*﴾ وقدم الظرف للإعلام بمبالغتهم في التكذيب ؛ ثم استأنف جوابهم بقوله :﴿قالوا ربنا﴾ أيها المسبغ علينا نعمه ﴿غلبت علينا شقوتنا﴾ أي أهواؤنا التي قادتنا إلى سوء الأعمال اليت كانت سبباً ظاهراً للشقاوة.


الصفحة التالية
Icon