ولما كان التقدير : فكنا معها كالمأسورين، تؤزنا إليها الشياطين أزاً، عطف عليه قوله ﴿وكنا﴾ أى بما جلبنا عليه ﴿قوماً ضالين*﴾ في ذلك عن الهدى، أقوياء في موجبات الشقوة، فكان سبباً للضلال عن طريق السعادة.
ولما تضمن هذا الإقرار الاعتذار، وكان ذلك ربما شوغ الخلاص، وصلوا به
٢٢٣
قولهم :﴿ربنا﴾ يا من عودنا بالإحسان ﴿أخرجنا منها﴾ أى النار تفضلاً منك على عادة فضلك، وردّنا إلى دار الدنيا لنعمل ما يرضيك ﴿فإن عدنا﴾ غلىمثل تلك الضلالات ﴿فإنا ظالمون*﴾ فاستوئنف جوابهم بأن ﴿قال﴾ لهم كما يقال للكلبك ﴿اخسئووا﴾ أي انزجروا زجر الكلب وانطردوا عن مخاطبيت ساكتين سكوت هوان ﴿فيها﴾ أي النار ﴿ولا تكلمون*﴾ اصلاً، فإنكم لستم أهلاً لمخاطبتي، لأنكم لم تزالوا متصفين بالظلم، ومنه سؤالكم هذا المفهم لأن اتصافكم به لا يكون إلا على تقدير عودكم بعد إخراجكم.
ولما كانت الشماتة أسر السرور للشامت وأخزى الخزي للمشموت به، علل ذلك بقوله :﴿إنه كان﴾ أي كناً ثابتاً ﴿فريق﴾ أي ناس استضعفتموهم فهان عليكم فراقهم لكم وفراكم لهم وظننتم أنكم تفرقون شملهم ﴿من عبادي﴾ أي الذين هم أهل للإضافة إلى جنابي لخلوصهم عن الأهواء ﴿يقولون﴾ مع الاستمرار :﴿ربنا﴾ أيها المحسن إلينا بالخلق والرزق ﴿آمنا﴾ أي أوقعنا الإيمان بجميع ما جاءتنا به الرسل لوجوب ذلك علينا لأمرك لنا به.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٢٣
ولما كان عظم المقام موجباً لتقصير العابد، وكان الاعتراف بالتقصير جابراً له قالوا :﴿فاغفر لنا﴾ أى استر إيماننا عيوبنا التي كان تقصيرنا بها ﴿وارحمنا﴾ أى افعل بنا فعل الراحم من الخير الذي هو على صورة الحنو والشفقة والعطف.
ولما كان التقدير : فأنت خير الغافرين، فإنك إذا سترت ذنباً أنسيته لكل أحد حتى للحفظة، عطف عليه قوله :﴿وأنت خير الراحمين*﴾ لأنك تخلص مَنْ رحمته من كل شقاء وهوان، بإخلاص الإيمان، والخلاص من كل كفران.