ولما حرم الله سبحانه بهذه الجمل الأعراض والأنساب، فصان بذلك الدماء والأموال، علم أن التقدير : فلولا أنه سبحانه خير الغافرين وخير الراحمين، لما فعل بكم ذلك، ولفضح المذنبين، وأظهر سرائر المستخفين، ففسد النظام، وأطبقتم على التهاون بالأحكام، فعطف على هذا الذي علم تقديره قوله :﴿ولولا فضل الله﴾ أي بما له من الكرم والجمال، والاتصاف بصفات الكمال ﴿عليكم ورحمته﴾ أي بكم ﴿وأن الله﴾ أي الذي أحاط بكل شيء علماً وقدرة ﴿تواب﴾ أى رجاع بالعصاة إليه ﴿حكيم*﴾ يحكم المور فيمنعها من الفساد بما يعلم من عواقب الأمور، لفضح كل عاص، ولم يوجب اربعة شهداء ستراً لكم، ولأمر بعقوبته بما توجيه معصيته، ففسد نظامكم، واختل نقضكم وإبراكم، ونحو ذلك مما لا يبلغ وصفه، فتذهب النفس فيه كل مذهب، فهو كما قالوا : رب مسكوت عنه أبلغ من منطوق به، ثم علل ما اقتضته ﴿لولا﴾ من نحو : ولكنه لم يفعل ذلك إفضالا عليكم ورحمة لكم، بقوله على وجه التأكيد لما عرف من حال كثير ممن غضب لله ولرسوله من إرادة العقوبة للآفكين بضرب الأعناق، منبهاً لهم على أن ذلك يجر إلى مفسدة كبيرة :﴿إن الذين جاؤوا بالإفك﴾ أي أسوأ الكذب لأنه القول المصروف عن مدلوله إلى ضده، المقلوب عن وجهه إلى قفاه، وعرّف زيادة تبشيع له في هذا المقام، حتى كأنه لا إفك إلا هو لأنه في حق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي من أحق الناس بالمدحة لما كانت عليه من الحصانة والشرف والعفة والكرم، فمن رماها بسوء فقد قلب الأمر عن أحسن وجوهه إلى أقبح أقفائه، وترك تسميتها تنزيهاً لها عن هذا المقام، إبعاداً لمصون جانبها العلي عن هذا المرام ﴿عصبة﴾ أي جماعة أقلهم عشرة وأكثرهم أربعون، فهم لكونهم عصبة يحمى بعضهم لبعض فيشتد أمرهم، لأن مدار مادة " عصب " على الشدة، وهم مع ذلك ﴿منكم﴾ أي ممن يعد عندكم في عداد المسلمين، فلو فضحهم الله في جميع ما أسروه وأعلنوه، وأمركم بأن تعاقبوهم بما يستحقون على ذلك،


الصفحة التالية
Icon